تأتي كلمة (الخصومة) بصيغتها العربية لتعطي مدلولاً يشير إلى كثرة الجدَل وشدة التنازُع، غير أن هذا المدلول شهد مؤخرًا حالة انزياح ليصبح دالاًّ على العداوة المضمَرة والمُظهَرة. ما دعاني للحديث عن الخصومة هو ما كتبه الدكتور علي الرباعي في «عكاظ - ١٤٣٩/٦/١هـ» تحت عنوان (الجنادرية ودعوة الخصوم)، مؤكدًا على أن «دعوة القادحِين أهم من دعوة المادحِين، وأن خصمًا منصفًا خير من صديق بليد أو حاسد مزاجي». لا أختلف كثيرًا مع الرباعي فيما ذهب إليه، غير أنني أتساءل: ما الذي أودى بذلك الخصم لهذه الحال؟، ولماذا سنَّ قلمه وحدَّ لسانه ضد وطننا؟، قد تأتي الإجابة مشدِّدةً على مسألة (جهله بنا)، وهنا أقول: إن كان مبرر استضافة الخصم هو تبصيره وتعريفه بوطننا فلا أرى هذا المبرر منطقيًّا؛ كون المعرفة بالآخر أصبحت متاحة عبر الوسائط المتكاثرة، ولم يعد تحصيل المعلومات أمرًا عسيرًا، ثم كيف عجز الخصم عن معرفة إيجابياتنا وحسناتنا -في ظل ثورة المعلومات- وهو الذي يعرف أدق التفاصيل عن سلبياتنا بل ونوايانا؟
، وإن كان الخصم يجهلنا -حقًّا- فإن مسؤولية إزالة جهله تقع على منظومتنا الإعلامية -التي تعد الأقوى إقليميًّا- وعلى سفاراتنا وملحقياتنا الثقافية، وإن كان مقصود الاستضافة هو تقديم صنوف (الاحتفاء والإكرام) بالخصم ومنحه (مكافأة) مجزية طمعًا في زحزحة مسلماته وتحريك ما وقر في ذهنيته عنا فلا أظن ذلك حاصلاً؛ كونها مسلمات راسخة لا تتزحزح بفعل حفاوة أو مكافأة. من هنا يتضح أن استضافة الخصم لضخ كم من المعلومات عليه، أو للاحتفاء به ومنحه مكافأة لن تؤتي أُكُلها، حتى وإن أظهر شيئًا من المهادنة والمطاوعة (الآنية) كونها ليست عن قناعة، وكون المسلمات الراسخة لا يمكن أن تتحول في ظرف أيام تحت تأثير معلومة أو حفاوة أو مكافأة. لعل الأمر الذي يغيب عن أذهاننا هو أن تلك الخصومة تقف وراءها أسباب متنوعة، تأتي التوجهات السياسية لبلد الخصم سببًا رئيسًا فيها، وتأتي التحزبات الطائفية سببًا آخر، وتأتي الخلافات الشخصية سببًا يُضاف للسببين الأولين. وعلى هذا فالخصومة التي تأتي بدافع سياسي لا يمكن زحزحتها لدى الخصم كونه ليس بوسعه الخروج على سياسات وطنه مهما كانت المغريات، وكذلك الخصومة التي تأتي بدافع طائفي لا يمكن حلحلتها لدى الخصم كونها بمثابة العقيدة التي لا يمكن التنازل عنها، وأيضًا الخصومة التي تأتي بدافع الخلافات الشخصية لا يمكن للخصم تجاوزها .
لست ضد الاستضافة بالكلية، لكنني مع تقنينها، ومع تركيزها -خارجيًّا- على أصناف غير ثلاثة الأصناف السابق ذكرها. ثم إنه ينبغي ألا تغيب عن وعينا أسماءُ عاشت بيننا دهرًا (لم تكن على خصومة معنا) وكانت تعرف كل شيء عنا، ولما غادرتْنا أمطرتْنا بقبيح أقوالها، وأسماءُ (لم تكن على خصومة معنا) كانت قطب الرحى في كل استضافة، وتم تعريفها بنا والاحتفاء بها ثم انقلبت علينا، وأسماءُ (كانت على خصومة معنا) وتمت استضافتها أكثر من مرة وتعريفها بنا والاحتفاء بها ومع هذا لم تتغير نظرتها أو تخف خصومتها.
بقي أن نعرف أن (32) سنة قد تصرمت من عمر الجنادرية، وأن أكثر من (١٠) سنوات قد مضت على سوق عكاظ ومعرض الرياض للكتاب ولم توجَّه خلالها الدعوة للكثير من أبناء الوطن الذين هم على خصومة مع خصوم وطنهم!.
استضافة الخصوم
تاريخ النشر: 28 فبراير 2018 01:23 KSA
إن كان مبرر استضافة الخصم هو تبصيره وتعريفه بوطننا فلا أرى هذا المبرر منطقيًّا؛ كون المعرفة بالآخر أصبحت متاحة عبر الوسائط المتكاثرة، ولم يعد تحصيل المعلومات أمرًا عسيرًا، ثم كيف عجز الخصم عن معرفة إيجابياتنا وحسناتنا -في ظل ثورة المعلومات- وهو الذي يعرف أدق التفاصيل عن سلبياتنا بل ونوايانا؟
A A