الحياة مسرح متعدِّد الأدوار، تُعرض فيه مسرحيَّات بتقنية فائقة الجودة، تُتيح للمشاهدين سماع حوار الممثِّلين بلغات المشاهدين ولهجاتهم. ولمشاهدة المسرحيَّة لابدَّ من شراء بطاقة دخول. ومن إيرادات شباك الحجز وبيع التذاكر تُدفع أجور كاتب الرواية والممثِّلين وخدمات المسرح. ويخرج مشاهدو المسرحيَّة بين معجبٍ ومنتقدٍ، كلٌّ حسب قناعته.
في المحصلة، هي لعبة مصالح ومنافع، بالعدل أحيانًا، وبالغُبن أحيانًا أخرى. قد تكون اللعبة مقبولة إذا ما كان هناك تكافؤ بين الفريقين اللاعبين.. أمَّا إذا ما كانت بين قويِّ وضعيف، فإنَّها تفقد المصداقيَّة والعدل.
في زمننا هذا، وقد ضاع العدل في معظم الحالات، وفُقِد التكافؤ بين القوى العظمى وبين الشعوب الضعيفة المستهدفة.. فلا غرابة أن نشاهد على خشبة المسرح وعبر شاشات الفضائيات قوى وهي تتصارع في بلد كان آمناً مطمئناً معطاء للبشريَّة، بما تركه أسلافهم منذ فجر التاريخ من معرفة الكتابة والخط والقراءة والعلوم كافة، ألا وهي «سورية الأبية». ومع أنَّ أحفادهم ورثوا التراث كابرًا عن كابرٍ، ومنهم اليوم مَن يتعاطي التجارة والصناعة وفق معايير مستوحاة أخلاقها من الرسالات السماويَّة ومن الخبرة في التعامل مع الآخرين بشرفٍ وأمانة.. وقد ابتليت بلادهم اليوم بطامعين غدَّارين أجَّجوا في البداية نار الفتنة والضغينة بين الأخ وأخيه، والجار وجاره.. ومن ثمَّ أشعلوا صراعًا مذهبيًّا طائفيًّا أدَّى إلى مطالبة الشعب لحاكمه بتبادل السلطة من أجل تصحيح مسار الحكم، بما يضمن العدل والمساواة وتكافؤ الفرص.. وبدلًا من أن يستجيب الحاكم لصوت الحقِّ والعدل والمساواة، أستأسد واستنجد بالقوى العظمى لمساندته في إخضاع معارضيه وتصفيتهم.. فقدَّموا لنجدته المال والسلاح والجند.. ودارت حمَّى قتال شرس غير متكافئ بين قوى آثمة طامعة بأرض لا حقَّ لهم فيها، وبين متفانين في الحفاظ على أموالهم وعرضهم وخيرات بلادهم وكرامتهم.. خاصة وقد تمكَّن القويَّ من أرض وسماء وشواطئ بلدهم، وأخذ في تصفيات دمويَّة آثمة بكلِّ من يجرؤ على رفض الظلم والطغيان. وهم لا يملكون من وسائل المقاومة إلَّا الإيمان بأنًّ خالق العباد معهم، وهو الذي يُمهل ولا يُهمل. وبأذرعهم المفتولة من حرثهم أرض آبائهم وجدودهم لرد العدوان وطرد الغزاة، ليعودوا من حيث أتوا، غير مبالين بحرق المعتدين لزرعهم وتدمير بيوتهم وتفجير مشافيهم، ومنع الغذاء والدواء عن أهاليهم ومرضاهم.. والتاريخ خير شاهد على قدرتهم على ردِّ العدوان، فهُم وآباؤهم كانوا قد وقفوا في وجه العديد من الغزاة على مدى التاريخ. وتحمَّلوا الاحتلال البشع لعشرات السنين. وفي النهاية خرج الغزاة منكِّسي الرؤوس وقد فقدوا كرامتهم وانسانيَّتهم.. وعاجلاً أو آجلاً ستدور الدوائر على الغزاة وعلى من استدعاهم وأعطاهم شرعيَّة الوجود في بلد لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. وللظلم جولة وللحقِّ جولات، وعلى الباغي تدور الدوائر.. ودولة الباطل ساعة، ودولة الحقِّ حتَّى قيام الساعة.
إن للباطل جولة !!
تاريخ النشر: 02 مارس 2018 01:23 KSA
فلا غرابة أن نشاهد على خشبة المسرح وعبر شاشات الفضائيات قوى وهي تتصارع في بلد كان آمنا مطمئنا معطاء للبشريَّة، بما تركه أسلافهم منذ فجر التاريخ من معرفة الكتابة والخط والقراءة والعلوم كافة، ألا وهي "سورية الأبية"
A A