.. ذات مساء
كنت أسير مع صاحبي
بأحد الطرق الدائرية..
كانت أنظارنا تعانق الليل
وأعمدة النور
وبعض الوجوه العابرة عبر الطرقات..!!
(1)
.. استذكرنا الزمن الجميل حيث الهيل والليل
وأحاديث السمر
وقصائد العشق..
كان صديقي مولعًا بقصص العشاق
وبحياة الجنون
في غراميات (القيسيين)..!!
(2)
.. تلا على مسامعي
بعض مناجاة جبل التوباد
وروائع الغزل
وحكايات العذريين
وما كانت تتسم به
من تعلُّق روحي ووجداني..!!
(3)
.. قلت لصديقي توقف
فذاك زمن مضى..
من هنا لم يعد يمر (قيس)
واندثرت مضارب (ليلى)
هنا زمن آخر..
الحديث فيه عن الروح
انكسار وضياع..!!
(4)
.. فجأة مرَّت بجوارنا سيارة
قال صديقي اتبعها
وحاذها وتأمل ما بها..
وجدته رجلا أنيقا
على ملامحه الشحوب..
تترنَّح سيارته في الشارع
مثلما يترنَّح هو داخلها
وهو يكفكف دموعه ويتأوَّه...!!
(5)
.. قلت: أتعرفه؟
قال: نعم
لقد أحب ابنة عمه 25 عاماً
خطبها لكن أهلها رفضوا
تزوَّجت هي بآخر
وتحوَّل هو إلى عاشق
يجوب الشوارع
وقد شارف على الجنون..!!
(6)
.. استوقفناه
وجدت دموعه تغالبه
وهو يثرثر: (روحي.. عمري)
وعندما رمقني راح يتمتم:
لها روحي وبقي لي رماد العمر..
قلت: أين هي؟
قال: ذهبت لعالمها
وأنا ذهبت لقدري..!!
(7)
.. قلت: من فعل بك هذا؟
فأنشد:
(آه.. يا زمن التعاسة
حين يصبح العاشق مهانا
ككلب حراسة
وحين يرون:
أن الحب لا يعني القداسة)!!
(8)
.. قال شعراً عذرياً
تتفطَّر له القلوب
وهمس صديقي في أذني
بأنه ذات مساء
كاد يرمي بنفسه من فوق الجسر...!!
(9)
.. قبل أن أودعه أمسك بيدي
وقال:
(إن قلتي: «روحي»، قلت: يا روح روحي
وإن فديتيني، فديتك ألف مرة)..!!
(10)
.. وقبل أن أهمُّ بالرحيل
قال: أبلغوا من أوهمتني بالروح
ثم تنكرت لي ومضت
بأنني أترحَّم عليها
وأترحَّم على نفسي
وربما يوماً تجمعنا الأقدار..
نظرت إليه بحزن وتمتمت:
(لك الله يا سيد الروح والقوم)..!!
(11)
.. قال صديقي:
في هذا الزمن الصعب
لازالت هناك قلوب من بياض
وأرواح من بلور
لكنها متعبة لأنها تعيش
في عالم تعكر
بالمصالح والجحود والأهواء وحب الذات..!!
(12)
قلت: يا لغدر الزمان
ويا لغدر البشر
ويا لهذا الحب
الذي يورد الناس مصارع المنون..!!