في أولى سنوات الدراسة لمادة الفيزياء، شرح لنا المدرس بأن اتِّزان الجسم يعتمد على ثلاث نقاط.. وأنَّ الجسم الذي يستخدم هذه النقاط للارتكاز، تُشكِّل قاعدته سطحًا واحدًا. وأيُّ نقطة ارتكاز إضافيَّة تجعل السطح أقلَّ اتِّزانًا. ضرب لنا أصابع اليدِّ مثلًا. فعند رفع الإبهام والسبابَّة والوسطى بشكلٍ ثلاثي ووضعهم فوق ورقة، تظلُّ الورقة ثابتة في مكانها. لا يكون الأمر كذلك بإضافة أصبع رابع. يبدو أنَّ هذا المثال كان مرتكز رؤية الملك المؤسِّس رحمه الله، وهو يرسم السياسة الخارجيَّة للمملكة حديثة الولادة. فركَّز على محور الرياض - القاهرة - دمشق. لما لتعاون الحكومات الثلاث في هذه العواصم من استقرار وأمن وأمان لشعوبها في الدرجة الأولى، وكذا للعالم العربي الذي كانت معظم شعوبه في المشرق العربي والشمال الإفريقي ترزح تحت نير الاستعمار. أمَّا في فلسطين، فحيث الانتداب البريطاني الذي فتح الموانئ للمهاجرين اليهود من بلدان العالم كافَّة، ليثبِّتوا أقدامهم فوق ترابها تنفيذًا لوعد وزير خارجيَّة بريطانيا العظمى؛ اللورد بلفور للصهاينة بدولة لهم فوق التراب الفلسطيني.
عمل محور الرياض- دمشق - القاهرة بكلِّ الوسائل المتاحة على مساعدة الشعوب العربية الرازحة تحت الاستعمار لنيل استقلالها كاملًا غير منقوص. والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وهو يقاوم بشجاعةٍ وبسالة؛ هجمة الصهاينة الشرسة تحت نظر سلطة الانتداب البريطانيَّة.
كانت دمشق قلب المشرق العربي النابض، والقاهرة الصوت المؤثِّر والفاعل بحكم موقعها المميَّز. وسار على نهج الملك المؤسِّس -طيَّب الله ثراه- أنجاله. فأثمر التنسيق الثلاثي بخروج المستعمر من البلدان العربيَّة رغماً عن زرعه العديد من ألغام التفرقة والخلاف بين الدول التي حصلت على حريَّتها. ورغمًا عن الصهاينة
الذين حصلوا على اعتراف الأمم المتحدة بدولتهم فوق التراب الفلسطيني. ورغم العديد من الحروب على سورية ومصر، لفرض الوجود الصهيوني فوق كامل التراب الفلسطيني، ومع ما شاب علاقات المحور الثلاثي من تباين في وجهات النظر، فقد تغلَّبت المملكة عليه. ومثال ذلك موقفها العروبي بعد حرب 1967 في مؤتمر القمَّة العربي في الخرطوم من دعم مصر لتعيد تسليح جيشها وبناء مصانعها الحربيَّة، والدعم لسورية للمطالبة بالجولان الذي خسرته في تلك الانتكاسة، وتعاونها غير المحدود مع القاهرة بعد حرب العبور عام 1973. ولا تزال المملكة على العهد بتقديم العون لوحدة الصف العربي. فالآن يُعاد التعاون مع العراق، والوقوف إلى جانب الشعب السوري ليتخلَّص من الهجمة الصفويَّة التي مزَّقت نسيجه الوطني، وتسبَّبت في هجرة الملايين من السوريِّين إلى دول الجوار والعالم. وبتهجير داخلي بترتيب من السلطة مستعينة بالميليشيات المأجورة، لإعادة رسم الخريطة السكَّانيَّة لسورية. يُرحِّلون بموجبها من تبقَّى من المواطنين بعيدًا عن مدنهم وقراهم التي وُلدوا فيها، لإحلال طوائف مذهبيَّة عنصريَّة عميلة.
في هذه الأجواء الكارثيَّة في سورية، وقبلها في العراق، وفي اليمن وليبيا مؤخَّرًا. ومع سعي مصر لإعادة بناء مؤسَّساتها وفق معايير هذا العصر، وتمتين نسيجها الوطني لاستعادة مركزها الريادي، جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يحفظه الله إلى القاهرة في إبريل 2016، ثمَّ حديثًا؛ زيارة سمو ولي العهد الأمير محمَّد بن سلمان، لتؤكِّد ثبات السياسة الخارجيَّة للمملكة، وتعاونها الوثيق مع مصر؛ عمقها الاستراتيجي. والأمل كبير بعد الله تعالى في أن يثمر هذا التقارب الأخوي الصادق في تحقيق وضع أفضل لعالمنا العربي، ومستقبل واعد بحياة كريمة للأجيال القادمة في بلدينا، وفي دول الجوار العربيَّة.
ثوابت الملك المؤسس فكراً ونهجاً
تاريخ النشر: 16 مارس 2018 01:24 KSA
كانت دمشق قلب المشرق العربي النابض، والقاهرة الصوت المؤثِّر والفاعل بحكم موقعها المميَّز. وسار على نهج الملك المؤسِّس -طيَّب الله ثراه- أنجاله. فأثمر التنسيق الثلاثي بخروج المستعمر من البلدان العربيَّة رغما عن زرعه العديد من ألغام التفرقة والخلاف بين الدول التي حصلت على حريَّتها. ورغمًا عن الصهاينة
A A