Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

الكتابة بأمان بعيداً عن الخلَّان

A A
حِينَ أَكتُب، لَا أَكتُب مَا يُريد أَصحَابي وأَقرِبَائي، ولَا مَا يُريد مُجتمَعي، لأنَّ هَؤلاء -جميعاً- يَطلبون مِنك الكِتَابَة، وهُم بِكَ مِن الزَّاهدين، وقَد قِيل فِي كُتب التُّرَاث: «أَزهَد النَّاس فِي الأَديب أَهله»!

لَن أَقول الآن لمَن أَكتُب، فهَذا سُؤال سيَكون جَوابه فِي آخَر المَقَال، وإنَّما أُريد تَأكيد فِكرَة؛ تُحاول أَنْ تُجيب عَن سُؤال يَقول: «لِمَاذَا لَا يَكتُب الإنسَان لأَصحَابهِ وأَهله، وأُسرتهِ وإخوَانهِ وأَولَاده»..؟!

إنَّ عَدَم الكِتَابَة للأَهل والأحبَاب والإخوَان؛ لَيست فِكرَة جَديدَة، بَل انتبَه إليهَا طَابُور طَويل مِن الأُدبَاء والكُتَّاب، وبَعضهم اعترَف بِهَا صَرَاحةً، ومِنهم صَاحِب الكِتَاب المُمتع المُسمَّى «رَحيق العُمر»، وأَعنِي بِه الكَاتِب القَدير «جلال أمين»، ابن أُستَاذنا العملَاق «أحمد أمين»، حَيثُ يَقول فِي مُقدِّمة كِتَابه «رَحيق العُمر»: (لَم أَتوقَّع أَنْ يَقرَأ أَولَادي الثَّلَاثَة كِتَابي المُعنوَن بـ»مَاذَا عَلَّمتني الحَيَاة»، لِما علَّمتني إيَّاه الحَيَاة مِن أَنَّ: «زَامِر الحَي لَا يُطرب»، وهي عِبَارة سَمعتها مِن أَبي أَكثَر مِن مَرَّة، ورَأيتُ دَليلاً عَلَى صحّتها؛ فِي مَواقف أَبنَاء أُدبَاء وكُتَّاب كَثيرين؛ مِن أَعمَال آبَائهم، ولهَذا اكتَفيتُ بأنْ أَعطيتُ كُلاً مِن أَولَادي نُسخَة، كَتبتُ عَليهَا إهدَاء، دُون أَنْ أَسأَل بَعد ذَلك، عمَّا إذَا كَانوا قَرؤوه، أَو قَرؤوا أَجزَاء مِنه. كَانِت المُفاجأَة سَارة لِي، أَنْ أَعلم أَنَّ اثنين مِنهم قَرآ الكِتَاب، ولَكن كَان وَاضِحاً لِي؛ أَنَّ ثَلَاثة مِن أَبنَائي -سَواء مَن قَرأَه مِنهم، أَو مَن لَم يَقرأه- لَم يُعلِّقوا عَليهِ بمِثل مَا عَلَّقتُ أَنَا عَليه، وقَد أَكَّد ذَلك لِي؛ مَا كُنتُ قَد تَوصَّلتُ إليهِ مِن قَبل، مِن أَنَّ مِن الخَطَأ الشَّديد، اعتبَار أَولَادنَا استمرَاراً لَنَا، ومِن ثَمَّ، فلَا يُمكن أَن نَأمل أَنْ يَعتبروا -هُم- قصّة حَيَاتنا؛ جُزءاً مِن قصّة حَيَاتهم، كُلّ مِنهم يُريد أَنْ تَكون لَه قصّة مُستقلِّة، ومُبَالغتنَا فِي التَّعليق عَلَى أَهميّة مَا فَعلنَاه نَحنُ، ومَا لَم نَفعله، تُضَايقهم وتُثير أَعصَابهم)..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي أَنْ أُجيب عَلَى سُؤال يَقول: لمَن أَكتُب؟، أَكتُب لتِلك الطَّائِفَة القَابِعَة فِي أَطرَاف الكَون، مِن القُرَّاء والقَارِئَات، الذين يَبحثون عَمَّا أَكتُب دُون أَنْ أَعرفهم، أَو يَعرفوني شَخصيًّا، مِثلمَا بَحثتُ أَنَا عَن كِتَاب الأَديب «جلال أمين»؛ دُون أَنْ أَعرفه أَو يَعرفني شَخصيًّا..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store