فقدت الساحة التشكيلية السعودية والعربية، أمس واحدًا من أبرز قادتها هو الفنان السعودي فهد الحجيلان. وظل الفنان الراحل يقدم إبداعاته الفريدة على مدار نحو 25 عامًا، ومَثَّل المملكة في معارض عالمية عديدة حيث اتسمت أعماله بالثراء. ومن أهم معارضه الشخصية إضافة لعصفور البرد، بكاء الألوان، وسنوات الصفيح، ونستولوجيا.
ولد الفنان الراحل في بلبيس بمحافظة الشرقية المصرية، وعشق رسم الفوانيس ومحاكاة الألعاب الشعبية، وتعرف مبكرًا على أعمال محمود سعيد وسيف وانلي ومحمود مختار، قبل أن ينتقل أو يعود للعيش في الرياض مكملًا دراسته بمعهد التربية الفنية، قبل أن يتفرغ للفن التشكيلي عام 1999. وتميزت شخصية الحجيلان بالهدوء والبساطة وثقافة فنية واسعة يعرفها كل من اقترب منه.
ويقول الفنان عبدالرحمن السليمان عن الفنان الراحل: إن الذاكرة اللونية للحجيلان ظلت ثرية بكثير من التنوع، فهي تستدعي أكثر من أفق، وتتلون بحضارة إنسانية متنوعة عاشها الفنان منذ طفولته بين مصر التي حمل كثير من الحنين ومن تفاصيل الحياة واليوميات فيها بأعماله، وبين السعودية التي تنقل فيها من الوسط للأطراف لينسج شخصيته الفنية الذاتية التي تنتمي للهوية الإنسانية، متجاوزة الأطر المكانية والحدود الزمانية، فأصبح للون هوية أخرى مع فهد قدمها بمساحاته المتسعة، لونًا دسمًا غنيًّا كنكهة الصفاء، وتباينه به كثير من الانسجام، فبين رماديات تحمل كثير من الحنين والعاطفة إلى المساحات المتباينة، والمتكئة على نسيج لوني أحادي، يجعل من تباينها توافقًا منسجمًا ومريحًا للعين ومعبرًا بهدوء.
ويقول الناقد التشكيلي هشام قنديل: إن المتلقي لفن فهد الحجيلان يسهل عليه بشيء من التعامل الجاد والتفاعل الموضوعي، أن يرصد عددًا من المؤشرات التي تعينه على قراءة أقرب للدقة لمفردات لوحته، لعل في المقدمة من تلك المؤشرات إحساسه بالموسيقى الداخلية التي تتسرب من لوحاته بانسيابية عالية. وقد أتاح لي الاقتراب من فهد الحجيلان أن أعرف شيئًا عن طقوس مصاحبة لإبداعه، على رأسها استمتاعه بسماع موال شعبي وهو يرسم ويؤكد ويفسر لي أن ثمة أسبابًا موضوعية لشعور المتابع لأعمال الحجيلان بأنه يعتبر الموسيقى مكونًا أصيلًا وإضافة حقيقية في عمله التشكيلي.
أما المؤشر الآخر الذي يظهر في لوحاته بوضوح تام فهو القدرة العالية والمهارة الفائقة في الجمع بين الأداء اللوني الشديد العمق، والبساطة التامة في اختزال المفردات للدرجة التي أشعر معها أحيانًا أنه يود إبراز قدراته على التنويع، كأنما هو عازف كمان ماهر يختار ما يشاء من المقامات، ويجمع بين ما يبدو مختلفًا منها أحيانًا؛ ليضمن وصول رسالته على الصورة التي يريدها، حتى وإن بدا الأمر في بعض الأحيان ممارسة لسلطة المبدع وديكتاتوريته في التعامل مع منجزه الإبداعي.