العالم العربي يوفر لنا أسئلة ومعضلات أكثر من الأجوبة. ومن المعضلات قضية القارئ. لقد ألصقت به صفة الذي لا يقرأ ولا يتابع، وغير معني بالكتب. المسألة ليست بهذه السطحية إذ إن هناك ما يكذب هذا. فكل المعارض العربية تثبت عكس هذه اليقينيات الغريبة. نعرف جيداً محنة الكاتب وهو يشتعل داخل الدائرة الإبداعية الجميلة والمنهكة، في رحلة العزلة والخوف من الإخفاق في ملامسة قلوب الناس المنتظرين لنصه أو لإبداعه؟ ليس من السهل أبداً أن تلمس قلوباً هي في حركة وارتباك دائمين. وفي حالة تجاذب مستمر وأبدي. قلب القارئ غير قار وشديد الحساسية، لأنه عندما يحب كاتباً لا يرحمه من شدة حبه له وتنطبق عليه المقولة «ومن الحب ما قتل»، لدرجة أنه لن يغفر له زلاته النصية. لهذا أستغرب الكلام الذي أسمعه وأقرأه في أغلب الوسائط الورقية والإلكترونية والمسموعة والمرئية، مفاده أن قارئنا العربي لا يقرأ ولا يبذل أي جهد؟ وأنه ضحية خمول على الرغم مما يمكن أن يوفر له من إمكانات كبيرة للتثقف والقراءة. على الرغم من إيماني بوجود مشكل يتعلق بالمقروئية ولكن ليس في المكان الذي يريده المحللون. أشتهي أن أدحض هذا الكلام مما أعرفه ثقافياً ومن التجارب المشهدية الخاصة وأنا أرى قراءنا يركضون بلا سؤال عن أسعار الكتب، نحو المعارض العربية لاقتناء كتبهم التي يريدونها، من الجزائر، إلى الدار البيضاء إلى مسقط، ومن بيروت إلى الرياض، إلى بغداد؟ رأيت شخصياً في هذه المعارض كيف أن الناشر لم يعد إلى بيروت مثلاً بأي مرتجع. في الأغلب الأعم تنتهي النسخ في اليوم الثاني أو الثالث على أقصى تقدير ويجد الناشر نفسه في حالة إحراج أنه لم يأتِ بنسخ أكثر. ورأيت أيضاً وأنا أوقع رواياتي درجة الخيبة التي تنتاب مُحيَّا القارئ العربي عندما لا يحصل على الرواية التي جاء من أجلها؟ رأيت ذلك أيضاً قبل أقل من سنة وأنا في فلسطين تحديدا في مدينتي رام الله ونابلس، كيف أن المكتبة الشعبية وساحة البلدية كانتا غاصتين بالجمهور الشبابي الحي لدرجة الإخفاق في تنظيم محكم للتوقيعات خوف نفاد النسخ، على الرغم من مشكلات الحياة تحت الاحتلال التي يعرفها الجميع. في نصف يوم واحد، في نابلس وسهرة ثقافية في رام الله كانت الطبعة الفلسطينية الأولى الخاصة لمملكة الفراشة قد نفدت أو كادت، الشيء نفسه يمكن أن يقال عن لقاءات أخرى كان الكتاب سيدها. مثل الجامعات حيث مدرجات الجامعات في العالم العربي ممتلئة بجمهور طلبة لا شيء يقودهم إلا حبهم للمعرفة وفضولهم الأدبي والرغبة في الاقتراب من الكاتب ومن إنسانيته المباشرة. لاحظت هذا في مدرجات جامعة الجزائر وأم البواقي الصغيرة وسكيكدة وميلة وخنشلة وغيرها، في جامعة بنمسيك بالدار البيضاء. كيف أفسر مثلاً قاعة المؤتمرات في جامعة عمان التي امتلأت بالطلبة من كل الأعمار ومن الجنسين والكثير منهم يأتونك بالروايات لتوقيعها؟ وفي سومان والرواد الكبار في عمان، حدث الشيء نفسه. أتيت بهذه الأمثلة الذاتية الحية فقط لأني رأيتها ولأقول إن مشكلة المقروئية موجودة في أمكنة أخرى نحتاج إلى معرفتها بدقة. لا يمكن أن نقبل بالكلام السهل الذي ينزع عن القارئ العربي حقه الطبيعي في أن يختار نصه وكاتبه. السؤال الكبير متعلق أولاً بشيء تقني، أي بدور النشر والمؤسسات الثقافية العربية المختلفة التي لا تقوم بأي جهد للترويج للكتاب. ماذا تفعل دعائياً لتجعل الكتاب مرئياً أي في متناول القارئ، ماذا تفعل وزارات الثقافة العربية ليكون الكتاب الذي أصبح غالياً في متناول القارئ الذي تواجهه صعوبات حياة تزداد قسوة كل يوم؟ من الناشر العربي الذي يخسر مليماً واحداً للترويج لكتاب من الكتب كيفما كانت قيمته؟ النشر يعني أيضاً المغامرة. من الناشر الذي يركض وراء الكتاب حتى يوصله للقارئ؟ يمكن أن تكون فكرة تدعيم الكتاب حلاً مؤقتاً يشجع على الذهاب نحو الكتاب. أستغرب كثيراً كيف نتحدث دوماً عن عدم القراءة ولا نتحدث عن قارئ نوعي بدأ يولد في عالم عربي أصبحت مطالبه كبيرة ومحددة ولم يعد يكتفي بالعموميات. بل أصبح يدقق في خياراته ليس فقط ذوقاً واهتماماً ولكن أيضا لأنه لم يعد قادراً من الناحية المادية على تحمل شراء كل الكتب التي يريدها، فأصبح انتقائياً ومدققاً أكثر. قد تكون هناك معضلات أخرى أكثر عمقاً تمس الجانب التربوي لأننا لا نربي قارئاً حراً في المدرسة ولكن قاضياً أخلاقياً، وننسى أن النص الأدبي هو بالدرجة الأولى قيمة لغوية تربي الذوق الجمالي، تلك أيضاً مسألة أخرى تتعلق بالتربية والخيارات الإستراتيجية للمجتمعات العربية وطبيعة العربي الذي نريد من مدارسنا أن تنتجه.
دفاعاً عن القارئ العربي المظلوم؟
تاريخ النشر: 05 أبريل 2018 01:25 KSA
لهذا أستغرب الكلام الذي أسمعه وأقرأه في أغلب الوسائط الورقية والإلكترونية والمسموعة والمرئية، مفاده أن قارئنا العربي لا يقرأ ولا يبذل أي جهد؟ وأنه ضحية خمول على الرغم مما يمكن أن يوفر له من إمكانات كبيرة للتثقف والقراءة
A A