عندما يظهر إعلان عن دورة تدريبية يقدمها داعية سابق، فلا بد من التوقف عنده، ليس لأن داعية يقوم بالتدريب، فهو قد عقد دورات سابقة حين لم يكن هو سابقاً. إن الذي يستوقفنا أمام هذا الإعلان عن دورة تدريبية يقيمها داعية سابق هو عنوانها: أسرار التأثير والإقناع: (فن التواصل والتأثير). هذه الدورة تعد بالتدريب على طرق التعامل مع الناس بغرض التأثير فيهم، وبالتعريف بمهارات الإلقاء المؤثر والتحدث الجذاب. يطرح الإعلان أحد عناصر الدورة كالتالي: كيف تصبح أكثر تأثيرًا وإقناعًا مع الآخرين (من أجل) كسب القلوب.
تتردد كلمة (التأثير) في الإعلان لتصبح هي محور الدورة، وهذا يحفزنا لنتساءل: على أي أساس معرفي ارتكز الداعية في عرضه لهذه الدورة؟ هل هو مُتبحّر في نظريات التأثير الجماهيري عن علم، أم أنه يقوم بتدريب الناس على ما تم تدريبه عليه من قبل؟ هل أخضع نفسه لمدرّبين أطلعوه على أسرار التأثير الجماهيري، فراح يطبقها في مسيرته الدعوية؟ هل هذه الدورة هي كشف لأدواته التي استخدمها في تحقيق جماهيريته؟
يبدو من خلال عناصر الدورة وكأن الداعية يعترف للناس: «هكذا جذبتكم وجعلتكم تصدقونني وتتبعوني، هذه كانت أساليبي التي تعلمتها حتى أتقنتها، فرحت أمارسها عليكم». لم يكن هناك شئ طبيعي في أدائه إذاً، فالرجل كان مُعدّاً، ومُدرِّباً، ومهيأ لدخول مضمار الدعوة عن طريق كسب القلوب المُصطنع.
ثم يواجهنا السؤال الأهم: هل كان هذا الداعية فعلاً مؤثراً حتى يقدم دورة تدرب الناس على طرق التأثير في الآخرين؟ إذا كان المعيار الذي سنقيس به مدى تأثيره هو أعداد الجماهير من الناس التي كانت تتابعه وتحبه في الله، فلا بد لنا من رسم خط واضح يفصل بين الشهرة والنجومية، وبين القدرة الحقيقية على التأثير.
الشهرة هي أن يعرفك مليون شخص فأكثر حسب مقاييس وسائل التواصل الاجتماعي، فأنت نجم وصورتك مدفوعة الثمن حيثما ظهرت، في القنوات التلفزيونية، أو على شاشات الإعلانات في الشوارع، أو حتى على أغلفة الكتب، وفي هذا يتساوى جميع المشاهير. لكن التأثير أمرٌ آخر: حين يتأثر بك شخص ما فهو لا يكتفي بمتابعة أخبارك، والتقاط الصور معك، والاحتشاد لرؤيتك، لأن التأثير -في الجانب الآخر- يعني أنك تتغلغل في كيانه لتصبح قدوته ومثله الأعلى، فيحيد عن منهجه في الحياة، ويستدير دورة كاملة ليسير على خطاك. وربما كان من بين جماهير هذا الداعية من وقع تحت هذا التأثير الطاغي، لكن من الواضح أنه حين أصبح سابقاً، فقد انحسرت موجة جماهيريته، بينما التأثير يبقى ثابتاً لا يزول أبداً من نفوس أعيد تشكليها.
لا بد أن ننظر إلى العوامل التي ساعدت هذا الداعية على أن يحقق مكانته، فهو قد كان جزءاً من مرحلة متكاملة من التخطيط المتسق بين جماعات وحّدت جهودها من أجل غرض معيّن، وإذا كان له تأثير، فهو مستمد من التيار. ثم إن تأثيره كان على جمهور قد تم تجهيزه لاستقبال وتقبل ما يطرحه عليهم، جمهور كان محاطاً لعقود بدروس الدعوة في المدارس، والمساجد، والمجالس، والكاسيتات، والكتيبات، والقنوات الإعلامية. في هذا الحصار المكثف من درس متكرر، مَنْ مِن الدعاة لم يكن مؤثراً؟
كانت الصحوة حركة مؤثرة، لكن لا يستطيع أي داعية أن ينفرد بنجاحه ويدعي أنه قد ملك ناصية التأثير إلى درجة تمكنه من تدريب الناس على أسراره، كما أن تأثير الدعوة لم يكن نتيجة الإقناع ولا الحديث الجذاب ولا مناقشة الفكر، بل إن أهم سبل اتخذتها الدعوة هي الصراخ والترويع والقوة.
عن تأثير الدُّعاة
تاريخ النشر: 19 أبريل 2018 01:26 KSA
ثم يواجهنا السؤال الأهم: هل كان هذا الداعية فعلاً مؤثراً حتى يقدم دورة تدرب الناس على طرق التأثير في الآخرين؟ إذا كان المعيار الذي سنقيس به مدى تأثيره هو أعداد الجماهير من الناس التي كانت تتابعه وتحبه في الله، فلا بد لنا من رسم خط واضح يفصل بين الشهرة والنجومية، وبين القدرة الحقيقية على التأثير.
A A