شاهدت الأسبوع الماضي فيلماً وثائقياً عن الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب)، كان عنوانه (41)، مشيراً إلى أنه الرئيس الواحد والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية. ورغماً أن الفيلم اشتمل على جوانب عدة لبوش الأب قبل تولِّيه الرئاسة وخلالها وبعدها، إلا أن ما أثار في الذكريات كان حديثه عن صدام حسين واحتلاله الكويت. وأشعر بالمرارة وأنا أتذكَّر تلك الفترة المؤلمة من تاريخنا، إذ إنه لم يكن أي عاقل يتوقَّع إقدام الرئيس العراقي صدام حسين على احتلال الكويت، ثم حشد جيوشه على حدودها مع السعودية.. وبعد أن فعلها ودخل الكويت وشرَّد أهلها، لم يتوقع عاقل أيضاً أن يُؤيِّد أي عربي احتلال دولة عربية لأرض دولة عربية أخرى، وقيامها بتشريد وقتل مواطني الدولة المحتلة. لكن ما حدث هو العكس، إذ وجدنا عرباً يُرحِّبون باحتلال العراق للأراضي الكويتية في عمل عسكري غادر، ثم اكتشفنا أن هناك عرباً رحَّبوا بقتل وتشريد الكويتيين، لا لشىء إلا لأن الله حباهم ثروة بترولية استطاع حُكّامهم أن يُحوِّلوها إلى رخاءٍ واستقرار لشعبهم، بينما كانت الثروة العراقية، بترولاً وصناعة وزراعة، تُصرف على مغامرات عسكرية وأطماع توسعية تحت مظلة السعي نحو وحدة عربية كانت عنواناً لتسلُّط فرد واحد، وليس أكثر من ذلك.
الأمريكيون الذين احتلوا العراق بعد ذلك (في عهد جورج بوش الابن)، خذلوا العراق والعرب، وألغوا الدولة بكامل رجالها والعاملين فيها، بحجة أن الجميع أعضاء في حزب البعث، وقدَّموا التسهيلات العديدة لإحلال نظام موالٍ لإيران في بغداد، ولدخول عشرات آلاف من أفراد المليشيات الإيرانية أو الموالية لطهران، ليتحوَّل العراق إلى جحيم لأبنائه الذين حاولوا وقف امتداد وتثبيت الاحتلال الإيراني لبلادهم، والذي أراده الأمريكيون، لأسبابٍ خاصة بهم، ليحل محل الاحتلال الأمريكي.
الأفلام الوثائقية يمكن أن تُعيد ذكريات مفرحة وأخرى مؤلمة، إلا أننا نكتشف أن ليس كل فيلم وثائقي هو صادق. فالوقائع تتم معالجتها أحياناً من جوانب لا تكون حقيقية، مما يؤدي إلى تقديم صورة غير صحيحة، وقد يكون عرض الوقائع يتم بشكل مجزَّأ، فلا نرى الصورة الكاملة. وإن كانت الوثائقيات تساعدنا على استذكار وتحليل أمور مرَّت علينا، ولم نتمكن من تحليلها بشكلٍ سليم، في وقتها، وعلينا أن لا نعتبر كل وثائقي وثيقة حقيقية وسليمة. بل من الضروري التحليل والتقييم.
ولا أشير هنا إلى الوثائقي عن جورج بوش (الأب)، وإنما أتحدث بشكلٍ عام. فالصورة التي نعيشها هذه الأيام هي وضع قاتم خطير وغير مستقر، وعلينا تحليل الأمور بشكلٍ سليم قبل الإقدام على تقبُّل وضع ما؛ على أنه حقيقة. وأذكر هنا أنه بعد احتلال العراق للكويت، مُورست ضغوط على السعودية من جهات، تطلب من المملكة أن لا تقبل بالتعاون مع الأمريكيين لصد صدام حسين بالقوة، وجهات أخرى من تحالف ضمنه الأمريكيون تُؤكِّد للمملكة أنه لا يمكن إبعاد الخطر سوى بالقوة العسكرية. وتميَّزت القيادة السعودية بالحكمة وهي تقوم بتقييم السلبيات والإيجابيات فيما حدث، وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك. وتمكَّنت الحكمة السعودية بقيادة الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله -حينها- من تغليب قرار الحزم في معالجة احتلال الكويت. خاصة وأن القوات العراقية كانت تتجمَّع على الحدود، بينما الآلة الإعلامية للعراق وأنصارها تُنادي باحتلال كل دول الخليج ونهب ثرواتها .. وعكَسَ قيام النظام العراقي بحرق آبار النفط بالكويت، الحقد الذي كان ذلك النظام يكنّه للخليج.
سماء منطقتنا مُلبَّدة هذه الأيام بغيومٍ سوداء سبَّبتها أطماع النظام الإيراني، وسياسة غير واضحة المعالم للقوى العالمية تجاه الأطماع الإيرانية. ولذا فإن هناك مهمة ليست بالهيّنة تُواجه قادة أمة العرب، وعلى رأسهم السعودية التي تقف في الواجهة على الشاطىء الآخر من الخليج العربي الذي يعيش النظام الإيراني المتآمر على جانب منه. وتثير ذكرى صدام حسين وحربه ضد ملالي إيران ثم احتلاله للكويت، وبعدها احتلال أمريكا له، وفتحها الباب واسعاً لسيطرة إيران عليه، والخلاف المعلن فيما بين أوربا ودونالد ترمب حول الملف النووي الإيراني.. كل هذه وغيرها من الوقائع تثير فينا الرغبة بالحرص على أن نتولى مواجهة المخاطر بأنفسنا بالشكل الذي نراه مناسباً، وأخذ حذرنا من نوايا مجهولة قد تكون لدى آخرين من إقليمنا وخارجه.
أين يقفون من أطماع إيران؟!
تاريخ النشر: 24 أبريل 2018 01:26 KSA
وتميَّزت القيادة السعودية بالحكمة وهي تقوم بتقييم السلبيات والإيجابيات فيما حدث، وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك. وتمكَّنت الحكمة السعودية بقيادة الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله -حينها- من تغليب قرار الحزم في معالجة احتلال الكويت. خاصة وأن القوات العراقية كانت تتجمَّع على الحدود، بينما الآلة الإعلامية للعراق وأنصارها تُنادي باحتلال كل دول الخليج ونهب ثرواتها
A A