.. تتساقط أوراق العمر كما تتساقط أوراق الزيزفون في ليلة شتاء قاسية.. الورقة التي تعانق التراب لا يمكن أن تعود إلى غصنها مهما حاول البستاني فعله...!!
(1)
.. وهكذا أيام أعمارنا تتساقط يومًا تلو الآخر.. من سقط لا يعلو، ومن ذهب لا يعود.
(2)
.. أعمارنا تظل رغم كل هذا الضجيج الذي نحدثه ورغم كل الأحلام والركض مجرد أرقام يعتريها النقص ولا يجبر كسرها الزيادة..
(3)
.. نتذكر أرقام ميلادنا وقد لا يتذكر أحد ممن كان يشغلنا تواريخ وفاتنا..!!
(4)
.. فعيشوا أعماركم وأحلامكم وحياتكم واستشرفوا الشروق في أرواحكم..
(5)
.. أكتب هذه الإطلالة بين يدي مساء الغد حين يملأ الكون نور قمر ليلة النصف من شعبان...
(6)
.. في ليلة الانتصاف يكون قمر شعبان أكثر رونقًا وبهاءً وضياءً.. يتسلل إلى أرواحنا قبل أحداقنا.. إنه ينبعث من مشكاة الروحانية..
(7)
.. وبعيدًا عن المسميات وعن تلك الجدلية الدينية حول فضائلها.. وبعيدًا عن ذلك الخطيب الذي يشعرنا وكأنه سينزل من منبره ويخنقنا واحدًا واحدًا ليفهمنا بأن ليلة النصف من شعبان عادية مثل كل الليالي واسمعوا وعوا..!!
(8)
.. سألتقط فقط من الحديث (يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن).. قضية الشحناء..!!
(9)
.. مرتكز الدين القلب وجوهر القلب هو نقاؤه وصفاؤه.. وخلاصه من الضغائن والشحناء، وعفوه وتسامحه، وهذه قضية إيمانية هامة...
(10)
.. من قال عنه الرسول: (رجل من أهل الجنة).. أتدرون ماهي حقيقة عمله؟
ليست صيامًا ولا صلاة.. كان قبل خلوده كل ليلة للنوم يعفو عمن ظلمه، ويتخلص من أية ضغينة يحملها قلبه تجاه أي أحد..
(11)
.. ونحن كم نتشاجر؟ وكم نتشاحن؟ وكم نحقد؟ وكم يقاطع بعضنا بعضاً؟ بل وكأن تعاملاتنا تحولت إلى معترك للبغضاء والتناحر.. أو كأن حياتنا لم تُخلق لكي نعيشها بسلام وحب..!!
(12)
.. وسمعت ما يندى له الجبين عن مقاطعة الأبناء للوالدين.. ناهيكم عن مقاطعات الإخوان وذوي الأرحام والأصدقاء..
أي قلوب هذه؟ وأي إيمان هذا؟ وكيف يطيب العيش وتحلو الحياة؟!
(13)
.. يا سادة لا تكونوا استثناء في أعظم موقف للغفران والبهاء الإلهي.. اقبلوا على بعضكم، مدوا أيديكم، تصافحوا، تسامحوا، اعفوا.. فسنابل العمر لا تنحني إلا لأصحاب القلوب البيضاء.