Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

لن يتحقق استقرار لبنان.. وإن ألغيت المحكمة

إذا كان ما نشرته جريدة “الشرق الأوسط” يوم الأحد الماضي عن التسوية التي يتم طبخها في بيروت، لإرضاء “حزب الله” فيما يتعلق بالمحكمة الدولية دقيقًا، فإنه يمثل كارثة أخرى تصيب لبنان في أمنه واستقراره..

A A

إذا كان ما نشرته جريدة “الشرق الأوسط” يوم الأحد الماضي عن التسوية التي يتم طبخها في بيروت، لإرضاء “حزب الله” فيما يتعلق بالمحكمة الدولية دقيقًا، فإنه يمثل كارثة أخرى تصيب لبنان في أمنه واستقراره.. فالحزب يهدد بما وصفه حليفه الجنرال ميشال عون “باندلاع أعمال حربية” لمواجهة أي اتهام قد يصدر عن المدعي العام بالمحكمة الدولية تجاه أي فرد منتمٍ للحزب بالمشاركة في جريمة اغتيال رفيق الحريري أو أي من السياسيين والإعلاميين والمسؤولين الأمنيين الذين جرى اغتيالهم نتيجة لارتباطهم بشكل أو آخر بقضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري.. أي أن الحزب ليس معنيًا بالدخول في إجراءات المحاكمة لإثبات براءة أو إدانة المتهمين بل يرفض ذلك بشكل مطلق.والتسوية التي تحدثت عنها “الشرق الأوسط”، مبنية على تقارير إخبارية تداولتها الصحف الموالية لحزب الله، تشير إلى أنه مقابل عدم لجوء الحزب إلى العنف واغتيال المزيد من الشخصيات اللبنانية التي لا يرضى عنها، فإنه يتم تشكيل لجنة لمعالجة ما وصف بالقضايا المركزية تكون مهمتها الحرص على منع ما وصف بالشطط في القرار الاتهامي وبناءً على اكتشاف (الشطط) فإن لبنان سوف يعمد إلى وقف التمويل اللبناني للمحكمة الدولية وسحب القضاة اللبنانيين منها.والمشكلة التي ستنشأ بالتأكيد عن إقامة لجنة مثل هذه هي أنه لن يتم الاتفاق بين الأطراف المختلفة في اللجنة على وجود (الشطط) لأن كل فريق سيسعى إلى فهم القرار الاتهامي بشكل مختلف عن فهم الآخر وسيعود “حزب الله” إلى حمل سلاحه ضد مواطنيه لإرغامهم على الاستجابة لإرادته وإلا فإنه سيستولي على السلطة ويفرض حكومة يختارها ويحكمها الحزب الواحد في لبنان.. وليس ببعيد ما قام به الحزب عندما أصدرت الحكومة اللبنانية (برئاسة فؤاد السنيورة حينها) قرارًا بنقل ضابط أمن من موقعه في مطار بيروت، من غزو بيروت والجبل وضرب السنة والدروز بالسلاح الذي يملكه، وحينها احتل مقاتلوه منزل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في كليمنصو ببيروت ودخلوا عليه وعلى عائلته وأخذوا يقصفون البيت بالمدفعية ويطلقون عليه زخات الرصاص مما أرعب وليد جنبلاط ودفعه إلى الاتصال بطلال أرسلان، الزعيم الدرزي الآخر الحليف للحزب، ليطلب منه حمايته وعائلته من الإبادة على يد المقاتلين الذين حاصروا منزله واقتحموه، وخرج جنبلاط سليمًا من هذه المحنة وليعلن بعدها الولاء الكامل لحاملي السلاح وأسيادهم.هناك حديث عن أنه لينعم لبنان بالاستقرار عليه أن يصل إلى اتفاق مع “حزب الله” حول المحكمة الدولية يؤدي إلى إلغاء فعاليتها.. إلا أن لبنان منذ نشأ لم ينعم بالاستقرار، فالسياسيون اللبنانيون يستمتعون بالخلافات الناشبة بينهم بشكل دائم تقريبًا والتي تصل أحيانًا إلى الاحتكام للسلاح.. لكن الوضع اليوم يختلف عما كان عليه في السابق إذ أصبح طرف واحد من أطراف المعادلة اللبنانية السياسية يملك من السلاح ما يفوق ما لدى الجيش اللبناني أو أي طرف لبناني آخر، وكذلك ما يوجد في المخيمات الفلسطينية من السلاح غير المعروف كمه ونوعه، ويرغب هذا الطرف، كما هو واضح من تصرفاته وتصريحاته، إلى إلغاء المعادلة التي قام عليها التعايش اللبناني بفرض إرادته على الجميع بالاستسلام له بقوة سلاحه.. وسيكون من المؤسف أن يتم إلغاء النموذج اللبناني في التعايش بين مختلف الطوائف وتحويل لبنان إلى دولة يحكمها (آية الله) لبناني يدين بالولاء (لآية الله) من خارج الحدود.من المستبعد أن يكون إنشاء المحكمة الدولية يستهدف “حزب الله” ويعرف الحزب ذلك، ويشارك في قبول إنشائها وتمويلها، بل إنها قامت لإيقاف سلسلة الاغتيالات السياسية، وتفاءل الكثيرون داخل لبنان وخارجه بها على أمل أن تعين على إيقاف أو تقليص عمليات الاغتيال والاختطاف في دول عربية أخرى (مثل العراق) وأن يسود القانون ويعيش الإنسان العربي في أمان، وإذا قُدِّر لهذه المحكمة أن تفشل فإن سياسة الغاب ستسود لبنان وستعود لغة الاغتيالات إلى التعامل السياسي هناك.. أما إذا واصلت المحكمة عملها فإن قائمة الاتهام لن تكون آخر المطاف بل سيتاح للمتهمين محاكمة علنية وفي إمكانهم -أو الحزب إذا كانوا ينتمون إليه- اختيار محامين ذوي كفاءة عالية للدفاع عنهم.أما حجة “حزب الله” فليست سوى أداة سياسية يريد استخدامها لإحكام قبضته على البلاد بالتهويل بسلاحه، والبديل عن الدخول في تسوية غير عملية معه هو أن تسير الأمور كما هي عليه، ويمكن للحزب أن يسيطر على ما تبقى من بيروت متى شاء، ومن الصعب عليه أن يسيطر على لبنان بكامله، ويشكل الحكومة التي يريد، ويختار ميشال عون رئيسًا للدولة.. إلا أن حكومته ورئيسه في هذه الحال سيعيشون في عزلة عن العالم الذي سيقاطعهم، ولن يقبل باستخدامهم السلاح أو التهويل به، للسيطرة على مقدرات البلاد. ص.ب 2048 جدة 21451adnanksalah@yahoo.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store