عَدَدْتُ في نفسي إيجابيات كثيرة قد اكتسبناها جرّاء إقامة مهرجان المصارعة العالمي (رويال رامبل) في جدّة ليلة الجمعة الماضية.
ولو لم تكن هناك غير إيجابية واحدة قد اكتسبناها من المهرجان، هي بقاء آلاف السعوديين في وطنهم، وصرف أموالهم داخله، بدلاً من صرفها في الخارج بالسفر القريب أو البعيد لمشاهدة المهرجان، لَكَفَتْنا هذه الإيجابية كفاية مُبينة.
٦٠ ألف سعودي هرعوا إلى ملعب الجوهرة المُشِعّة لمشاهدة المهرجان، وملايين السعوديين غيرهم قد شاهدوه معهم على شاشات القنوات التلفزيونية، ومعظمهم من الشباب الذين أجزم أنّ العديد منهم وبعد مشاهدتهم على الطبيعة لأساطير المصارعة مثل جون سينا وتريبل إتش في وطنهم، سيسعون للاستقواء الجسدي مثلهم، وإطلاق خيالهم الجامح من معقله كي يكونوا مصارعين محترفين عالميين مثلهم، ولعلّهم في سبيل ذلك سيتخلّصون من العادات الغذائية السيئة التي تحول دون تقوية الجسد، وسيستغلّون أوقاتهم في الرياضة بدلاً من «الصياعة» في الأسواق والمقاهي، وبدلاً من التدخين والهوايات غير المفيدة، وهو المطلوب تحقيقه إذا ما حصل، وعندها تكون المصارعة قد فلحت فيما فشل فيه غيرها!.
ولو كان لرياضة المصارعة عنوان لكانت «الشجاعة» هي عنوانها الدائم، وناصيتها الثابتة، وركنها الشديد، ولا مصارع إلّا الشجاع، ولا شجاع إلّا المصارع، ولا يتوازى المصارع الشجاع مع المرء الجبان على الإطلاق، وشرّ الرجال هم الجبناء، وقد قيل: «شرّ ما في المرء شُحّ هالع وجُبْن خالع»!.
ورسولنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم هو بطل الأبطال، وأشجع الشجعان، وقد صارع ركانة، مصارع مكّة القوي، في الجاهلية، الذي لم يصرعه أحد قط غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وألقى بظهره على الأرض ثلاث مرّات، بهدف دعوته للإسلام وإظهار قوّة المسلم، كما في كتاب البداية والنهاية، ولا أنسى ما حباه الله للصحابيين الجليلين عمر بن الخطّاب وخالد بن الوليد، رضي الله عنهما من قوة في المصارعة أكسبتهما هيبة طيلة حياتهما الحافلة بالخير.
ورياضة المصارعة غابت عن مجتمعنا كثيراً، وقُبِرَت حيّةً بلا ذنبٍ قد اقترفته مثل المولودة الموؤودة، وآن الأوان لبعثها من مرقدها، بعضلات شبابنا الأبطال.