عندما تطوع جون بولتون، مستشار الأمن القومي لدونالد ترمب، بتعليقه عما تسعى إليه أميركا في محادثاتها التي كانت متوقعة أن تتم ما بين الرئيس الأميركي ورئيس كوريا الشمالية، بعد بضعة أيام، في سنغافوره ، فوجىء العالم بأن أميركا تسعى لتكرار النموذج الليبي، في التعامل مع الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية، وتطبيقه على كوريا الشمالية، إذ إن التجربة الليبية لم تؤد بالقذافي ليصبح صديقاً لأميركا وأوروبا بل أدت، بعد ذلك الى انهيار نظام القذافي وتمزق ليبيا ومقتل معمر القذافي نفسه في مشهد تلفزيوني مأساوي.. وبعد تصريح بولتون المثير سارع نائب الرئيس الأميركي ليؤكد الاتجاه الأميركي لتطبيق (النموذج) الليبي في معالجة السلاح النووي لكوريا الشمالية. بشكل أعطى الانطباع أن الأمريكيين يفرضون، وقبل لقاء سنغافورة، شروطاً صعبة على كوريا الشمالية، إن أرادت المضي في محادثاتها مع الرئيس دونالد ترمب، بل ويبشرون قادة بيونج يانج بمصير مأساوي مشابه أو مقارب لما آل اليه القذافي وعائلته وطاقم حكمه.
وبالطبع توقفت مسيرة لتحضير اللقاء بين الرئيسين الأمريكي والكوري الشمالي في سنغافورة خلال الشهر القادم، يونيه. وبدأت محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة مسيرة لقاء القمة الى مسار جديد. ويتواصل التساؤل حول ما إذا كان موقف لكل مـن مستشار الأمن القومي الأميركي، بولتون، ونائب الرئيس، بنسى، مــن (التهديد) بأن يكون مصير قادة كوريا الشمالية مثل مصير القذافي ومصير بلادهم مشابه لمصير ليبيا إن مضوا في محادثاتهم مع دونالد ترمب، هو مسعى من اليمين المتشدد الأميركي المحسوب عليه كل من نائب الرئيس والمستشار لوقف اندفاع دونالد ترمب في مسعاه السلمي مع كوريا الشمالية أم أنه مجرد تكتيك متفق عليه داخل الإدارة الأميركية. أو أن الأمر يتعدى ذلك الى رسالة من (المؤسسة) الحاكمة بأميركا الى أن ترمب تجاوز في تصرفاته ما يمكن أن تقبل به البلاد، وعليه إعادة النظر في طريقة إدارته لأميركا.
ويقودنا هذا الأمر الى القضية التالية التي ثار حولها الجدل في واشنطن وأوروبا، وهي الاتفاقية النووية مع إيران. فقد سحب دونالد ترمب أميركا منها بالرغم عن المساعي الحثيثة والمكثفة لعدة دول أوربية بأن لا يفعل ذلك، ودخلت الاتفاقية النووية الإيرانية في مسار جديد تدار فيه الأزمة عبر لقاءآت علنية فيما بين أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين، ناقصاً أميركا، وألمانيا التي لا تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن، من ناحية، وإيران من ناحية أخرى . بينما تتواصل لقاءات سرية مع الإيرانيين وفيما بين الدول المعنية للتوصل الى إتفاق معدل أو اتفاقيات جديدة تعالج العيوب في الاتفاقية الأساسيا وتضاف كملاحق لها.
ولا يسع المراقب لما جرى حول لقاء ترمب بكوريا الشمالية وما يجري الآن فيما يتعلق بالاتفاقية النووية الإيرانية الا أن يتساءل فيما إذا كان الرئيس الأميركي قادر على إدارة الأمور في الملف النووي الإيراني أم أن من سحب الملف الكوري الشمالي من يده، في الوقت الحاضر، سيكون له رأي مخالف فيما سيأتي من تطورات في هذا الملف الذي يهم منطقتنا. خاصة وأن الحديث يدورعن منح إيران المزيد من المغريات المالية لتواصل بقاءها في الاتفاقية مع تعديلات لم تتضح معالمها بعد.
وللتذكير فإن باراك أوباما، الرئيس الأميركي السابق، لم يشرك دول الخليج في مشاورات الإتفاقية، وهي المعنية بالنشاط العدواني الإيراني، بل مضى قدماً بالرغم عن كل المحاذير التي قام الخليجيون بتنبيه إدارة أوباما اليها في حينه. وكانت النتيجة هذا الاتفاق الذي يمول أنشطة إيران الإرهابية وتخريبها للعالم العربي، ويمنح نشاطها النووي شرعية بعد بضع سنوات من الآن عندما تصل الاتفاقية نهايتها. لذا فإن الضرورة، بل من الحيوي بالنسبة للخليجيين، أن يشاركوا كطرف أساسي في الحوار الدائر حول سلوك إيران الحالي والمستقبلي وكيفية وقف تخريبها المتعمد والعلني للأوطان العربية وعدم مكافأتها على عدوانها على جيرانها، وتطويرها أسلحة تستهدف الخليج قبل استهدافها أي طرف آخر. وعلينا اعتبار ما يجري الآن فرصة ثانية لدول الخليج لتكون طرفاً فاعلاً مع أوربا وأميركا والصين وروسيا في الحوار وتوجيه دفة المحادثات وهي فرصة لن تتكرر إن لم نحسن استغلالها اليوم .
مشاركة خليجية في محادثات النووي الإيراني
تاريخ النشر: 29 مايو 2018 01:28 KSA
لذا فإن الضرورة، بل من الحيوي بالنسبة للخليجيين، أن يشاركوا كطرف أساسي في الحوار الدائر حول سلوك إيران الحالي والمستقبلي وكيفية وقف تخريبها المتعمد والعلني للأوطان العربية وعدم مكافأتها على عدوانها على جيرانها، وتطويرها أسلحة تستهدف الخليج قبل استهدافها أي طرف آخر
A A