تقول العرب (من احترف اعتلف)، والقصد أن الشخص الذي احترف -أي امتهن- حرفة أَكَل منها وضَمِن قوته، وهذا شيء بديهي مُشاهد ومُجرَب، أما غير البديهي أن يقوم حفّار قبور بتخطيط البنية التحتية لمدينة، أو أن يقوم جامع القمامة بإلقاء المحاضرات العلمية في صروح التعليم، وجب التنويه بأن الأمثلة السابقة ليست انتقاصاً من أي مهنة شريفة، ولا علاقة لها بالطبقية، بل تصور البون الشاسع بين التخصصات، فكذلك من غير الدارج أن يسجل طبيب مختص في جراحة المخ أرقاماً قياسية في حمل الأثقال. فكل منهما يحتاج لسنوات من الممارسة، ويصعب الجمع بينهما.
في الفترة الأخيرة أصبح الافتاء ساحةً يبيع فيها من يبيع (واللي ما يشتري يتفرج)، فترى الكل يتسابق ليدلي بدلوه المملوء بالذنوب، لأنه أدلاه في بئر فكره السيئ -إن كان له فكر- وعلمه الشرعي الضحل. مثال آخر يخص الكُتاب، حينما تُطَعم مقالك بالمصطلحات اللغوية، وترسل التشبيهات العميقة، وتسقط المعاني لتَخرج بمُتقن الحبك ومتين السَبك، ويقوم بعض القراء بالمسح السطحي للمقال، ومن ثم الشروع في تقييمه، فإن الخبز يُعطى لغير الخباز. استمع ولكن لا تأكل!
عادة ما تكون النتائج كارثية حينما يُوْكل الأمر لغير أهله، تخيّل أن يقوم كهربائي سيارات بعملية إزالة أعصاب تالفة في مخ انسان مصاب بورم. الأعظم من ذلك حينما يتحدث أحد زوار السفارات عن شعيرة دينية، ويُرجح الأقوال ويُفَصِل فيها، فاعلم أن النتيجة كارثية، ليته يعرف قبل ذلك الفرق بين (أجمعَ) و(اتفق) كما يعرف جيداً الفرق بين الأبيض والأحمر.
مع احترامي لكل ميكانيكي شريف، لكنني لا آكل خبزاً خَبَزَهُ ميكانيكي، كما أنني لا آخذ الفتاوى الشرعية ممن احترف البربرة ليعتلف.