يَتحسَّس النَّاس دَائِماً مِن الثَّنَاء عَلَى الآخَرين، فيُحَاول مَن يُريد الثَّنَاء؛ أَنْ يُقدِّم صَكّ بَرَاءَة، أَو شَرحاً لثَنَاءَاته، ليُثبت أَنَّ ثَنَاءَه بَريء.. كُلُّ هَذا لأنَّ البَعض مِنَّا، يَعتَقد أَنَّ الثَّنَاء نَوعٌ مِن التَّملُّق والنِّفَاق، ويَدخُل فِي بَاب «مَسْح الجوخ»، ومَا عَلِمَ هَذا البَعض، أَنَّ الثَّنَاء حِين يَنبع مِن القَلب، ويَكون فِي مَوضعه، فهو مِن الطّيِّبَات التي أُمِر الإنسَان بأنْ يَقوم بِهَا، وقَد أَمرنَا الرَّسول -صَلَّى الله عَليه وسَلَّم- بإبدَاء مَشَاعرنَا بقَولهِ: (إذَا أَحبَّ أَحدُكم أَخَاه فِي الله فليُعْلمه، فإنَّه أَبقَى فِي الأُلفَة وأثْبتُ فِي المودَّة)..!
حَسنًا، بَعد هَذه المُقدِّمَة، سأَتحدَّث عَن رَجلٍ عَرفته مُنذُ سَنوَات، بَعيداً عَن المَنَاصِب، وحِين حَاز المَنَاصِب العُليَا، بَقي هو نَفس الشَّخص الذي عَرفته، حَيثُ البَسَاطَة والتَّواضُع، وحُبّ فِعل الخَير ومُسَاعدة النَّاس، مَتَى وَجد إلَى ذَلك سَبيلاً.. إنَّني أَتحدَّث هُنَا عَن صَديقي العَزيز، «أبوعبدالعزيز»، مَعالي الإنسَان «بدر بن محمد العساكر»، الذي أَرَاه -كالغَيث- أَينَمَا وَقع نَفع، وقَد استَعنتُ بِهِ مُنذ سَنوَات -ومَازلتُ- فِي أَعمَال الخَير، التي لَا يُحبُّ هو ولَا أَنَا ذِكرهَا، ومَع كُلّ استعَانَة، أَجدُه ذَلك الرَّجُل؛ الذي يَحرص عَلَى تَقديم كُلّ مَا يَستَطيع؛ مِن جُهدٍ ومَال ووَقت، لمُسَاعدة مَن هُم بحَاجَة مَاسَّة للمُسَاعدَة..!
مُنذ سَنوَات، وأَخي «بدر» يَدعُونَا -أَنَا وبَعض الأَحبَاب- إلَى وَليمَة إفطَار رَمضَانيَّة، فيَبدَأ الوَليمَة بالاعتذَار لَنَا جَميعاً عَن تَقصيره مَعنَا، رَغم أَنَّه مُحلِّقٌ ولَيس مُقصِّراً، وأَذكُرُ أَنَّه فِي سَنَة مِن السَّنوَات؛ طَلب مِنَّا «هاني المقبل» وأَنَا، أَنْ نَفطر مَعه فِي المَنطقَة التَّاريخيَّة بجُدَّة، وحَدَث ذَلك العَام المَاضِي، ولَم تَكُن تِلك المُنَاسبَة مِن بَاب العَبَث، وإنَّمَا كَانت لالتمَاس آلَام وأوجَاع المَنطقَة التَّاريخيَّة، وكَيف السَّبيل إلَى مُعَالجتهَا..؟!
لَن أَستَطيع أَنْ أَصِف أَعمَال وَصِفَات وأَخلَاق «بدر»؛ فِي مَقالٍ قَصير كهَذَا، ولَكن أَحبَبتُ أَنْ أُسجِّل التَّقدير والإعجَاب بشَابٍ وَاعدٍ؛ بعَطاءٍ كَبير، وصَاعِد إلَى المَجد الوَفير، وهَذا أَقَل الوَاجِب، وإذَا كُنّا لَا نَستَطيع أَنْ نَقول للمُسيء أَسَأتَ، فعَلينَا أَنْ نَقول للمُحسن أَحسَنتَ..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: لَيتنَا نَكتُب عَمَّن نُحبّهم، نَكتب ذَلك بصِدق، لأنَّ العَرَب -مَع الأَسَف- تَبرمَجُوا عَلَى أَنْ يَكتبُوا عَن النَّاس بمَحبَّة بَعد وَفَاتِهم، وقَد قَال لِي الكَاتِب والصَّديق «أبوالحكم عدنان» -بكُلِّ صَرَاحة-: «إذَا متّ يَا «عرفج»، سأَكتُبُ عَنكَ مَقالاً لَم يُكتَب مِثله قَطّ»..!!