وُلد المخترع الفرنسي لويس برايل (Louis Braille ) في العام 1809م بمدينة كوغفيه بشمال وسط فرنسا، من أب يعمل في تجارة المصنوعات الجلدية.. وفي سن الثالثة من عمره وبينما هو يلعب بإحدى الأدوات الحادة على قطعة جلدية في ورشة تابعة لوالده؛ ارتدَّت الأداة الحادة من يده وأصابته في إحدى عينيه، ومضت الأيام وتحوَّلت الإصابة من جرح في عينه لالتهاب شديد؛ وفي آخر الأمر انتشر المرض إلى عينه الأخرى، وكان من نتيجة ذلك أن فقد بصره تمامًا، وهو في سن الرابعة من العمر!
وعلى ضوء هذه الحادثة، وقع والدا برايل في حيرةٍ شديدة وشفقة على ابنهما الذي تهاوت فرصة عيشه حياة كريمة وهو لا يزال في بداية حياته.
وعلي العكس من ذلك، تعايش برايل مع هذه الإعاقة، فقد كان مُبهرًا للجميع بغزارة فِكره ونهمه للعلوم، ما حدا بمُعلِّميه وأساتذته أن يُرشحونه للالتحاق بأول معهد وطني تعليمي للمكفوفين بالعاصمة الفرنسية باريس، كان ذلك في العام 1819م. من ذلك الحين وجد مستقبله ناحية تعليم عالٍ وإنجازات عظيمة غيَّرت العالم بالنسبة للمكفوفين.
أكمل برايل دراسته في المعهد بتفوق، واختير كأستاذ مساعد في التاريخ والهندسة والحساب بذات المعهد.. وخلال الفترة التي أمضاها في المعهد كان كثيرًا ما ينتقد كُتب المكفوفين التي كانت تُعطَى لهم، لأنها كانت ثقيلة الوزن والمحتوى وذات نظام مُعقَّد وغير فعّال؛ ما حثّه على ابتكار لغة خاصة بالمكفوفين تعتمد على «نظام النقاط على الورق»، وذلك في عام 1829م. أمضى برايل مسيرته العملية في تقنين وتطوير تلك اللغة، التي عُرفت فيما بعد بلغة برايل نسبةً له، مضيفًا لها لغة لقراءة النوتات الموسيقية في عام 1838م، وبعدها بعام أضاف لغة أخرى لقراءة الخرائط والمخططات الهندسية وغيرها.
كان برايل نحيل الجسم، قليل الصحة، ويُعتَقَد أنه كان مُصابًا بالسل وعاش به لمدة 16 عامًا، وفي عام 1852م توفي وهو في عمر ثلاثة وأربعين عامًا بسبب حالته الصحية.
ما جذبني لقصة لويس برايل، أنه بالرغم من كل الظروف التي تعرَّض لها، وفقدان بصره الذي لازمه طوال حياته منذ صغره، لم يعجز عن إثبات تفوُّقه العلمي وحُبّه البالغ للموسيقى، واختراعه للطريقة التي ساعدت الملايين من الأشخاص الذين يُعانون من مشكلة فقدان البصر، والتي بها أضاء لويس برايل ظلام المكفوفين في العالم، ولوقتنا الحاضر يشعرون بالامتنان له، لأنه سهَّل لهم سبيل التعلُّم والقراءة، في الوقت الذي كان مثلهم كفيفًا، وبالرغم من سهولة وجودة الطريقة التي اخترعها برايل، إلا أنها لم تعتمد بشكلٍ رسمي على أنها معيار للقراءة والكتابة في بلده فرنسا إلا بعد وفاته بعامين تقريبًا، وفي العام 1878م تم اعتمادها عالميًا.