لَاحظتُ عَلَى الآبَاء والأُمَّهَات؛ الخَلط الكَبير بَين مَفهُوميْ التَّربية والرِّعَايَة، لأنَّ أَغلَب الأُسَر تُمَارس الرِّعَايَة، وتَعتَقد أَنَّها تَربية، ومَا عَلِمُوا أَنَّ الرِّعَايَة تَختَلف كَثيرًا عَن التَّربية، وحَتَّى تَستَقيم الأمُور وتَتَّضح المَفَاهيم، دَعونَا نَطرَح المِثَال، ليَتَّضح المَقَال:
الرِّعَايَة تَهتمُّ بالأَشيَاء الشَّكليَّة، فإذَا قَالَت الأُم لوَلدهَا: «قُمّ واغتَسَل»، فهَذا مِن بَاب الرِّعَايَة، وإذَا قَالَت لَه: «تَنَاول طَعَامك»، و»بَدِّل مَلابسك»، و»اغسِل أسنَانَك»، و»اذهَب إلَى النَّوم»، فكُلّ هَذه الأَوَامِر مِن بَاب الرِّعَايَة، وإذَا قَالَت لَه: «لَا تَتأخَّر فِي العَودَة لَيلًا»، أَو «اطفئ المصبَاح»، أَو «لَا تُسرع»، أَو «لَا تَركض»، فكُلّ هَذه الأَوَامِر مِن بَاب الرِّعَايَة أَيضًا، والنَّاس -غَالِبًا- يَهتمُّون بالرِّعَايَة، لأنَّهَا سَهلَة ووَاضِحَة، ولَا يَحرصون كَثيرًا عَلَى التَّربية، لأنَّهم إمَّا يَجهلونهَا، أَو لأَنَّها «صَعبَة قَويَّة»، مِثل «العَالَميَّة عِند بَعض الأَنديَة»..!
أَمَّا التَّربيَة- يَا قَوم-، فهي زَرع القَنَاعَات والمَبَادئ، والاهتمَامَات عِندَ الأَطفَال، فمَثلًا، مِن التَّربية أَنْ يَتعلّم الطِّفل أَهميّة الأَمَانَة والصِّدق، والالتزَام بالمَواعِيد، ومِن التَّربية غَرس العَادَات الحَسنَة، مِثل عَادة القِرَاءَة، وعَادة الاستيقَاظ مُبكِّرًا، وعَادة المَشي.. ومِن التَّربية أَيضًا، الحوَار مَع الأبنَاء، وتَعزيز الطمُوحَات عِندهم، واكتشَاف مَهَارَاتهم، وتَعديل مَا يَحتَاج مِنهَا إلَى تَعديل، بطَريقةٍ ذَكيَّة..!
وأَيضًَا مِن التَّربيَة، زَرع طُرق التَّفكير السَّليمَة فِي أَذهَانهم، مِثل التَّفكير الإبدَاعي، والتَّفكير النَّقدي، والتَّفكير المُحَايد.. كَمَا أَنَّ مِن حُسن التَّربيَة، تَطوير الوَازع الأَخلَاقي عِند الأبنَاء، ليُفرِّقوا بأَنفسِهم بَين الصَّحِّ والخَطَأ، ويَتعلّموا مَا يَكون فِي صَالح دُنيَاهم، قَبل دِينهم..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: التَّربيَة لَهَا أَهميَّة كَبيرَة، وكُلَّمَا كَانت فِي الصِّغَر، كَانت أَكثَر رسُوخًا وتَأسيسًا، لأنَّ الإنسَان كُلَّما كَبر، أَصبَح تَغييره صَعبًا، وبَعض الأَحيَان مُستَحيلًا..!!