من الصعب أن نتصور موقف الرئيس الأميركي المتقلب المزاج، دونالد ترامب، من أوروبا قد شكل مفاجأة.. إذ هاجم ترامب حلفاء أميركا في الناتو منذ أن كان مرشحاً للرئاسة، وأرسل التغريدات قبل لقاء القمة الأخير لأعضاء الناتو يحذر وينبه إلى ضرورة أن يدفع الأوروبيون مقابل حماية أمريكا لهم، ثم وعلى إفطار الصباح خلال المؤتمر قال للصحفيين الذين التقاهم إنه لا يجوز أن تقوم ألمانيا، وكذلك فرنسا، بدفع بلايين الدولارات لروسيا في مشروع أنبوب الغاز من روسيا الذي يرأسه مستشار ألماني سابق ثم يطلبون من أمريكا أن تقوم بحمايتهم. الأمر الذي دفع بميركل، المستشارة الألمانية للحديث بعد ذلك إلى الصحفيين عن طفولتها عندما كان الاتحاد السوفييتي يحكم الجزء الشرقي من ألمانيا ويفرض عليها ما تفعل وتقول وحمدت ربها لأن الألمان تمكنوا من الخلاص من الاتحاد السوفييتي وأصبحوا أحراراً في اتخاذ قراراتهم. وذلك في رسالة واضحة لترامب بأن أميركا لا تحكم ألمانيا. وكعادته تراجع ترامب عن ما قاله فى حق حلفاء أميركا في الناتو بنهاية المؤتمر وعبر عن إعجابه بالمستشارة الألمانية.
وكرر دونالد ترامب مواقفه غير المتوازنة عند وصوله بريطانيا، حيث أدلى بحديث صحفي عبر فيه عن عدم رضاه عن رئيسة الوزراء البريطانية وسياساتها فيما يتعلق ببرنامج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وقال إنه يعتقد أن بوريس جونسون، الذي استقال من منصبه كوزير للخارجية احتجاجاً على مشروع رئيسة الوزراء الذي أجازه مجلس الوزراء بالرغم من معارضة بعض أعضاء المجلس له، قال ترامب إنه يراه مناسباً لمنصب رئيس وزراء بريطانيا، وأكد أنه قدم النصائح لتيريزا ماي، رئيسة الوزراء، ولكنها لم تعمل بنصائحه وحذر من أنه قد لا يتم اتفاق تجاري بين بلده ولندن. ثم عاد في اليوم التالي ليعلن أمام الصحفيين أن ما نشر على لسانه لم يكن كل ما قاله، لأنه يحترم رئيسة الوزراء ويقدرها، وأثنى عليها ثناءً كبيراً وأنه يقدر العلاقة الخاصة جداً فيما بين بلاده وبريطانيا.
وانتقل الآن دونالد ترامب للقاء بوتين، الرئيس الروسي (ويتوقع أن يكون قد التقاه يوم أمس الاثنين) وقال إنه سوف يلتقي ببوتين على انفراد مع المترجم فقط وبدون أي من مستشاريه. الأمر الذي أثار القلق من نتائج لقاء انفرادي فيما بين هاتين الشخصيتين المتناقضتين التي تمثل كل منهما مصالح وطنية لا تتلاقى مع مصالح الأخرى.
وأطلق ترامب على الرئيس الروسي وصف (منافس) وليس عدواً أو خصماً كما جرت عادة السياسيين الأمريكيين. إلا أن المحقق الخاص مولير سارع قبل لقاء بوتين وترامب بإعلان عن اتهام اثني عشر عسكريًا روسيًا يعملون في مجال الاستخبارات بأعمال عدوانية ضد أمريكا وتقديمهم للمحاكمة.
المواقف المثيرة للجدل التي يفعلها الرئيس دونالد ترامب صاحبتها سياسات تطبق داخل وخارج أميركا تعيد بناء السياسة الأميركية على أسس جديدة أقل دبلوماسية وأكثر مواجهة، ففي الداخل نجحت إدارة ترامب في تغيير وتعديل أنظمة وقوانين ستحدث تغييراً في البلاد على مدى طويل لصالح اليمين الأميركي، وكانت استقالة القاضي أنيثوي كندي من منصبه كقاضٍ في المحكمة العليا بأميركا مؤخراً وقبل موعد تقاعده فرصة أخرى لتقوم إدارة ترامب بدعم عدد القضاة المحافظين في المحكمة التي تعتبر أعلى سلطة قضائية في البلاد وبحيث تميل كفة عدد القضاة المحسوبين على الأفكار المحافظة، خاصة وأن ترامب عين قاضياً آخر في هذه المحكمة قبل بضعة شهور. أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فإن معارضيه أخذوا يتراجعون ولو قليلاً عن معارضتهم له بالقول إن مطالب ترامب من الآخرين ليست جديدة وإنما الأسلوب هو الجديد، فالهجرة غير الشرعية للبلاد كانت هاجس الكثير من الرؤساء السابقين، وأن مطالبة دول حلف الناتو برفع نسبة صرفهم على الدفاع ضمن الحلف الى نسبة أعلى من دخلهم القومي. وكذلك الميزان التجاري مع الصين وأوروبا كان شاغلاً لرؤساء سابقين.
وعلى كل حال فان الجهاز العامل خلف دونالد ترامب ضمن شعبية داخلية قوية للرجل بالرغم من كل ما يؤخذ عليه من أنصاره وخصومه وذلك في صفوف قطاع لا يستهان به من الناخبين الذين يعتقد أنهم سوف يؤمنون له فترة رئاسية ثانية عندما تحين الانتخابات الرئاسية العام بعد القادم، وهي مؤشرات لا تريح من كانوا يراهنون على انتهاء دونالد ترامب سريعاً، خاصة الإيرانيين، في منطقتنا والموالين لهم.
أوروبا في مواجهة تقلبات دونالد ترامب
تاريخ النشر: 17 يوليو 2018 01:32 KSA
وانتقل الآن دونالد ترامب للقاء بوتين، الرئيس الروسي (ويتوقع أن يكون قد التقاه يوم أمس الاثنين) وقال إنه سوف يلتقي ببوتين على انفراد مع المترجم فقط وبدون أي من مستشاريه. الأمر الذي أثار القلق من نتائج لقاء انفرادي فيما بين هاتين الشخصيتين المتناقضتين التي تمثل كل منهما مصالح وطنية لا تتلاقى مع مصالح الأخرى.
A A