يعيش العقل في قراءة للوقائع والأحداث، يتأمل فقراتها وتسلسلها، ينظر إلى كل أجزائها، يتأمل في حيثياتها وأسبابها.. هكذا العقل لا يخرج عن دوائر الحياة يقبل ما تنطبق عليه قوانين الحياة ويرفض ما عداها.
والخيال والعاطفة عنصران متقاربان يجيدهما من استطاع أن يمزج في حياته بين الواقع وقراءة المشاعر وترجمتها على أشكال محسوسة ووقائع مجسمة.. يغوص الشاعر في خيالاته ووجدانه يتأمل ما فيها من ألم وأمل يبتسم حيناً ويحزن في غيره.. استطاع أن يعيش حياته بقراءتين قراءة الواقع المحسوس والتأمل في الخيال وتحويله إلى ملموس.
يتردد بين حين وآخر من يتحدث عن شراء بعض الشعراء لشعرهم دون أن يكتبوا شيئاً منه، يبحثون عن القصائد التي تنال رضاهم ويدونونها بأسمائهم وفي دواوينهم مقابل شيء من المال.
لن يتقدم الشاعر بتلك الخطوات فالمتلقي المتمكن يمكنه قراءة مشاعر الشاعر قبل سماع كلماته.. وحينها سيرى مطابقة القصيدة لمشاعر صاحبها إن كانت من قوله.. ومفارقتهما إن طلبها من (سوق) الكلمات وبيع الأحاسيس.
حين يتحدث الشاعر حديثاً بعيداً عن الشعر تقرأ في ترتيب أفكاره وعرضه اللا محسوس بطريقة المحسوس.. فيبدو الوجدان بين كلماته وحروفه ويخرج من رصف الكلمات إلى رسمها.. ومن جمع الحروف إلى توظيفها وحكايتها.
الشعر مشاعر قبل أن يكون كلمات.. وما الألفاظ إلا ترجمة وصياغة لفظية لما يجده ويشعر به.. فيمكن للجميع قراءة قصيدة.. ويمكن لأي شخص نسبتها له.. لكن المشاعر لا تصدق إلا إن نبعت من القلب ولا تؤثر إلا حين تحكي وجداناً تغلغل في نفس صاحبه.. فإن لم يشعر المتلقي بانفعالات الشاعر ووجدانه ومشاعره فليس من الحري أن يقال لذلك الشعر شعرا.. وهو أقرب إلى جمع التعابير من حكاية المشاعر.
فالشعر وصف لحالة وجدانية وصل إليها الشاعر وبعد استواء الحالة وسيطرتها على النفس أخرجها على قوالب لفظية ليتمكن القريب والبعيد من مشاركته في شعوره والإحساس بأحاسيسه.
لذلك لن يخدع أحد بنحل شعر ونسبته لنفسه.. فالشاعر يبقى شاعراً في حياته وأحاديثه ونظرته وفهمه وقراءته لما حوله.. ولن يخفى ذلك على متلقٍ.