أشار عددٌ غير قليلٍ من التقارير والدراسات المُتواترة، إلى الآثار السّلبية للالتزام بالسّاعات المُمتدة للدوام اليومي كارتفاع خطر الإصابة بالاكتئاب وأمراض السّمنة والقلب والجلطات الدماغية والشكوى من الصداع والإعياء المُزمنين واضطرابات النوم، ناهيك عن اختلال توازن الحياة الاجتماعية الأُسَرية والمهْنية والصحية، والتسبب في ضياع أيام عملٍ بأعداد هائلة سنوياً، نتيجة تزايد ضغوط العمل اليومي غير المُبررة، دون تـحسّن يُذكر في الإنتاج.
وحديثاً، اطلعت على خبـرٍ تداولتْهُ وسائلُ الإعلام، مَفاده أن شركة «بيـربيتشوال غارديان» النيوزيلندية اتخذت قراراً بخفض أيام العمل لديها إلـى (4 أيام) مع عدم المَساس برواتب الموظفين، (أي استلامهم راتب 5 أيام مقابل عملهم 4 أيام أسبوعياً) وذلك بعد أن أثبتت تجربةً استمرَّت (8) أسابيع في وقت سابق من هذا العام نجاحَها، حيث أفاد الرئيس التنفيذي للشركة «أندرو بارنز» بارتفاع نسبة المُشاركة ورضا الموظفيـن عن العمل الذي يقومون به، ونِيّة الـموظفيـن لمواصلة العمل مع الشركة، فقبل التجربة كان (54%) من الموظفيـن سعداء بتوازن حياتهم المهْنية، لكن هذه النسبة ارتفعت إلـى (78%) خلال تجربة أسبوع العمل لـ(4) أيام فقط، في حين لم يكن هناك انخفاضٌ في الإنتاجية، بل ارتفعت قليلاً بشكلٍ هامشي.
وبحسْب صحيفة الوطن السعودية (الأربعاء 25 يوليو 2018) فقد «أثمرت التجربة كذلك عن توفير نحو (20%) في قيمة فواتير الكهرباء»، مما أراه يفتح المجال للنظر بجدّية في اعتماد هذه التجربة رسمياً، لما فيها من جدوى اقتصادية، تشمل أيضاً استهلاك الوقود.
وتبدو التجربة مُتوافقة مع تجديد دعوة معهد «أوتونومي إنستيتيوت» المُهتم ببيئة العمل والتغيير الإيجابي في أنظمته بما يضمنُ حرّية وازدهار الإنسان (عام 2017)، بتنفيذ مُقترح أيام العمل الأربعة على مدار الأسبوع، لقناعته أن هذا النّمط يُساعد على تحويل الاهتمام المؤسساتـي إلى تحقيق إنتاج أفضل خلال فترة زمنية أقل.
الجدير بالذكر، أن دوام (8) ساعات يومياً طُبّق لتحرير العُمال من العمل المُفرط، فخلال القرن الثامن عشر الميلادي، نشأت حركة «ثماني ساعات في اليوم» وكانت تهدف لتقصير يوم العمل إلـى (8) ساعات، أي لتخفيف شروط «العُبودية» الوظيفية .. واستمر الدوام التقليدي نفسه دون تغيير إلـى عصرنا هذا!.