Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عادل خميس الزهراني

ولن يبقى سوى.. «وطني الحبيب»..!

سالت الدموع.. ونُكّست الرؤوس حزناً وأسى.. فقد كان طلال -ويظل- رمزاً للفنان الصادق، نوتةً عذراء للشجن الأصيل، صورةً للإنسان الكريم بعطائه... كان طلال واحداً منا جميعاً، يمثّلنا في حالتنا الأكثر بساطة وسلاماً

A A
كانت ذكرى وفاة طلال مداح.. أعلم ذلك..! وأعلم أن عقدين من العمر مرّا ولا يزال صوته رشيقاً على قلوبنا كأول مرة شع فيها دافئاً وعطوفاً..

في العام ٢٠٠٦م.. حضر الشاعر عبدالله الصيخان، مع محمد الثبيتي (شمس أخرى غربت وما غرب دفئها).. إلى نادي جدة الأدبي.. في تلك الأمسية- العذبة كدموع حورية-اختار الصيخان أن ينادي (طلال) بحسرة:

زمان الصمت.. مرّ ولم تجبني!!

أيرحلُ صوتك الزاهي الحبيبُ.!!؟

كان المنظر مهيباً ..

دون جلبة.. حضر طلال إلى مسرح الأمسية، يرتدي ابتسامته -تلك التي تنتمي لجنات عدن-.. يحمل عوده المعتّق بالشجن، وتحمله طيبته المغروسة في طين هذا الوطن.. جلس بهدوء وسمت.. وأخذ يستمع للصيخان ويدندن على عوده:

أيرحلُ صوتك الزاهي الحبيبُ.!!؟

وأنتَ نسجتَه شجناً خفياً

على أرواحنا إذ نستطيبُ..

كانت الدموع في قاعة الأمسية الحاضرَ الأكبرَ حينها، وكان نص الصيخان في رثاء طلال سفينةَ حزنٍ لم يشأ أحدٌ أن يأوي إلى جبلٍ يعصمه.. فلا عاصم تلك الليلة من الحزن.. هكذا قالها الصيخان، وهكذا دندنها طلال:

فنسألُ كيف يسرقُنا ويمضي

ويبقى في القلوب له وجيبُ

«وترحلْ صرختي تذبلْ بوادي»

ونكّس رأسَه الصبحُ الكئيبُ..!!

سالت الدموع.. ونُكّست الرؤوس حزناً وأسى.. فقد كان طلال -ويظل- رمزاً للفنان الصادق، نوتةً عذراء للشجن الأصيل، صورةً للإنسان الكريم بعطائه... كان طلال واحداً منا جميعاً، يمثّلنا في حالتنا الأكثر بساطة وسلاماً:

وإن موّلتَ مالت بي نخيلٌ

وهزّت جذعها وبكى العسيبُ

وإن أبحرْتَ في «أحلى الليالي»

فكلُّ قوارب الذكرى نحيبُ

طأطأ طلال رأسه بخجل وتواضع معهود، وابتسامته تشق الصفوف كفارسٍ شهم، وأخذ يغني للصيخان ولنا جميعاً:

وأغلى الأماني

عاشت في غربة

يا عمر ثاني

عطني المحبة.. المحبة.. المحبة..!!

ينتمي طلال لقائمة قصيرة من فناني العرب الذين فهموا الفن ودوره فأخلصوا لرسالته، ولم يبتذلوها من أجل المال أو التنافس على جمهور وشهرة أكثر.. من هنا يُؤْمِن كثير -وأولهم أنا بالطبع- أن طلال كان «فناناً».. وليس مجرد «مؤدٍ» متدرب على اللحن والكلمة، كانت النغمة الطلالية تخرج من عمقه الدفين الذي نشترك كلنا فيه.. كان صوتنا الذي لا نصل إليه.. كان (صوت الأرض):

أمنْ زرياب أنتَ قبستَ ضوءاً

ودوزن عودكَ الشادي صهيبُ

أخذتَ بذوقنا فانسابَ نهرٌ

ولن يبقى سوى «وطني الحبيبُ»..!!

خرجنا تلك الليلة بحزمة من سحر (الثبيتي) رحمه الله، وأخرى من مطر الصيخان.. كما خرجنا بالكثير من طلال، وطيبة طلال.. وصوت طلال.. كان كل منا ينظر إلى طلال ويعاتبه بحب:

سلام لله يا هاجرنا

في بحر الشوق وما له قرار

خسارة البيت جوار بيتْنا

ولا ترعى حقوق الجار

وأنا مداري.. على ناري

وأقول يمكن في يوم جاري:

يراعيني .. يا أهل الله

سلام لله..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store