{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} آية مباركة في سورة خصَّها الله تعالى وحيدة بأحد أركان الإسلام. وما إن سمعها الصحابة والمسلمون حتَّى كانت الاستجابة فوريَّة وعامَّة. وشُدّوا الرحال إلى بيت الله الحرام من كلِّ فجٍّ عميق من بقاع المعمورة كافّة على تعدُّد ألسنتهم وألوانهم.
كان تعداد المسلمين في الزمن الغابر بالمئات، فعشرات الألوف، فمئات الألوف.. واليوم بالملايين. وبفضل الله وحكمة أولي الأمر منَّا في ديارنا المقدَّسة، توفَّر لحجيج بيت الله على طوفان أعدادهم كلُّ ما يمكِّنهم من أداء مناسك الحجٍّ براحة ويسر.. خدمات في المواصلات والتنقُّلات والمسكن والمأكل والرعاية الطبيَّة والإرشاديَّة بأمن وسلامة. وبفضل الله أيضًا وسهر أولي الأمر، نجد هذه الخدمات في تطوُّر إلى الأفضل موسمًا بعد موسم، مهما بلغت التكلفة متجاوزة الأوضاع الاقتصاديَّة التي تعاني من تردِّيها معظم الدول.
مَن كتب الله له حج بيته الحرام، أو تابع ما تنقله الفضائيَّات ووسائل التواصل الاجتماعي عن مسيرة الحجيج من ساعة أن وطأت أرجلهم أرض المملكة حتَّى وصولهم بيت الله الحرام في مكَّة المكرَّمة والمشاعر المقدَّسة، فالمدينة المنوَّرة لزيارة المسجد النبويّ الشريف والصلاة في روضته الشريفة، أدرك على الفور ما بذلته وما تزال المملكة بسخاء لخدمة ضيوف الرحمن.. من توسعة للحرمين الشريفين، وتهيئة المشاعر المقدَّسة لاستيعاب المزيد من ضيوف الرحمن.
قد يغيب عن الملاحظة جهد الجهات الأمنيّة لتوفير سلامة ضيوف الرحمن في زمن أصبح الإرهاب مصدر عيش لمجموعات من البشر من جنسيَّات وأعراق ومذاهب وديانات، يمارسونه لصالح من يغريهم بالعملة الخضراء أو بالأصفر الرنَّان! يتمُّ هذا وعالمنا العربي والإسلامي يواجه هذه الأيَّام حملات إرهابيَّة شرسة من أعداء آخر الرسالات السماويَّة، الحاقدين على ما قام به أتباع الرسالة المحمَّديَّة الأوائل من تحطيم الوثنيَّة وإلغاء العنصريَّة يوم أن أطيح بعرش قيصر وإيوان كسرى... ومن المتخوَّفين من أسلمة بلدان أوربيّة بسبب خصوبة المسلمين المقيمين فوق أراضيها وضعفها عند الأصليِّين من أبنائهم! وقد استغلَّ هؤلاء الحاقدون الجهل والفقر عند أصحاب النفوس الضعيفة والضمائر الميتة، فجنَّدوهم لإثارة الفوضى والفتن والقتل والنهب انتقامًا من أحفاد المسلمين الأوائل... وخير شاهد على إجرامهم بحقِّ البشريّة ما وثَّقه التاريخ عن محاكم التفتيش بعد انهيار حكم المسلمين في الأندلس. والآن في بورما «ميانمار» التي يمارس فيها التهجير العرقي إلى جانب التصفية الجسديَّة لمسلميها على مدى السبعين سنة المنصرمة.. وهي ذات السنين التي مرَّت على قيام دولة لليهود بسطت سلطتها على كامل التراب الفلسطيني، وشرَّدت وهجَّرت غالبيَّة الفلسطينيِّين خارج وطنهم. وأطبقت الحصار مع القتل والتدمير على من بقي منهم محتفظًا بأرضه وبيته في قطاع غزَّة. ومارست أبشع صور الاحتلال على مَن بقي في القدس الشريف وما حوله من أراضٍ مباركة. كلُّ هذا دليل على ما وصل الحال إليه، مما يستدعي الحيطة والحذر من هجمات إرهابيَّة؛ في المواسم الدينيَّة خاصَّة، غايتها التشكيك في قدرة المملكة على حماية الأماكن المقدَّسة وأمن ضيوف الرحمن تمهيدًا لعمليّات الفوضى الهدَّامة وانتشار الطائفيَّة العميلة.
ها هم ضيوف الرحمن قد أدُّوا مناسك حجِّهم، وها هم يستعدون خلال الأيام المقبلة للعودة إلى ديارهم سالمين غانمين. فالحمد لله على فضله وكرمه، وتحيَّة شكر وإكبارٍ وتقديرٍ لكلِّ الأجهزة التي وفَّرت سلامة موسم حج هذا العام ونجاحه. فالحمد لله على ما كرَّمنا الله به، أرض مقدَّسة وشعب مؤمن وحكومة راشدةٌ بيدٍ قادرةٍ وعين ساهرة.