Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

وَطَهِّرْ بَيْتِيَ

A A
أنعم علينا المولى عز وجل في هذه البلاد المباركة باحتضان الحرمين الشريفين، حيث بيت الله الحرام في مكة المكرمة ومسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، واصطفانا الرحمن لخدمة قاصدي بيته المعظّم، مهوى الأفئدة، وقبلة اتباع الدين الحق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإنه بحقٍ لشرفٌ وفخرٌ لا يدانيه شرف.

وبفضل الله سبحانه وتعالى تحتلّ خدمة الحرمين الشريفين الأولوية دومًا لدى ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، طيّب الله ثراه، وصولًا إلى عهد الحزم والعزم، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله.

يتضمن توجيه المولى عز وجل لنبيه إبراهيم عليه السلام، ولمن يأتي من بعده، في مهمةٍ جليلةٍ بقوله عز وجل {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ}.. وهو أمرٌ عظيمٌ بأسلوب القرآن المعجز في كلمتين فقط «طَهِّرْ» و»بَيْتِيَ» لكنهما تشتملان على معانٍ سامية وتفاصيل دقيقة.

إنّ «طَهِّرْ» من الأفعال الدالة على الخصال وتُستخدم للدلالة على الخلقة والمعاني، ويُقال فلانٌ طاهر الأخلاق ولا يُقال فلانٌ نظيف الخُلق.. لذلك فإن الأمر في «طَهِّرْ» أبلغ وأدق من مجرّد تطهير المكان والأبدان فلا يُكتفى في «طَهِّرْ» بالجانب الحسي فقط، بل إن المقصود به طهارة الباطن، علمًا بأن الطهارة الظاهرة شرط لتحقق طهارة النفس، لذلك فإن «طَهِّرْ» تشمل الجوانب الحسية والمعنوية والمادية والروحية وكل ما يحقق الطهارة بالشكل الأمثل بما في ذلك اختيار «الأطهر» من الأدوات والأساليب والوسائل.

ومن ثم فإنّه يتوجب على كل فردٍ قائمٍ بهذه الخدمة إدراك بأنّ المطلوب منه أمرٌ أبلغ من مجرّد التنظيف أو الترتيب أو التهيئة والتجهيز أو الإعداد والتنظيم، بل يتوجب عليه أن يكون طاهرًا في ذاته وأساليبه وأدواته وجميع أقواله وأفعاله المتوجهة نحو تكليفه، في موقع خدمته، من قِبل المولى عز وجل بـ «طَهِّرْ».

وقد جاء الأمر في «طَهِّرْ» إلى نبيٍ كريمٍ (وهو بشر) لتطهير البيت من كل خبيثٍ معنىً كالشرك والفواحش وظُلم الناس... إلخ وحسًا من الأقذار ونحوها، حتى يتفرّغ المُتعبِّد في ذلك البيت المعظَّم للعبادة ويكون في حال إقبالٍ عليها دون تكدير (حسّي أو معنوي).

وفي قوله عز وجل «بَيْتِيَ» دلالةٌ عظيمةٌ بإضافةِ البيت إلى ضمير الجلالة وهو تشريفٌ عظيمٌ للبيت.. إنّ أحدنا ليعتز ويفتخر بالإشارة إلى منزله وبيته، فما بالنا، ولله المثل الأعلى، ونحن نتدبّر توجيه المولى عز وجل ونسبته ذلك البيت المعظمّ لذاته الشريفة.. فإذا عَهِد الله سبحانه وتعالى أمر طَهِّرْ بَيْتِيَ إلى نبيٍ كريمٍ (وهو بشر)، والأنبياء هم أكمل البشر (حسًا ومعنىً)، فكيف يجب أن يكون حال من ورثوا شرف هذه المهمة العظيمة؟

إنه لحريٌ بكل مكلفٍ في خدمة ضيوف الرحمن إدراك عِظم وجلالة هذه المهمة الشريفة وموجباتها ومتطلباتها من الحرص على تحقيق راحة الضيف الكريم والمثابرة في سبيل إتقان العمل ومجاهدة النفس والشيطان وتطهير كل الوسائل المستخدمة في العمل ابتغاء مرضاة الله عز وجل.

وينبغي على كل من تشرّف بهذه الخدمة الجليلة، سواءٌ في ذلك أصحاب الأعمال البسيطة أو المؤتمنين على أعمال متعددة وحسّاسة، أن يُقدِّر شرف اختيار الله له في هذه الخدمة الجليلة وثقة ولاة الأمر فيه لتمثيل أبناء الوطن، ويقتدي بإبراهيم عليه السلام ويبدأ في تنفيذ أمر «طَهِّرْ» بتطهير النيّة من الشوائب ويضبط أقواله وأفعاله ظاهرًا وباطنًا بما يُرضي «السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» مستحضرًا دعوة أبي الأنبياء عليه السلام عندما كان يَرْفَعُ، بأمر الله عز وجل، الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ مع ابنه إسماعيل عليه السلام {إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.



د. محمد بن طلال سمسم

وكيل وزارة الحج والعمرة لشؤون نقل الحجاج والمعتمرين @tsimsim

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store