عندما تكون المفاضلة بين الاستقرار والفوضى فإن الجميع، ماعدا المرضى النفسيين، يختارون الاستقرار كخيار وحيد لهم، وعندما تكون المنطقة العربية وما جاورها تعيش فترة اضطرابات وعدم استقرار يكون من الحكمة والمنطق اللجوء الى الاستقرار كسبيل للبناء، فبغير ذلك لا يمكن البناء إنما الهدم. وبالرغم عن أن الطبيعة البشرية تدفع الكثيرين لعدم الرضا عما هم فيه والتذمر، إلا أنهم لا يجدون مبرراً لهدم القائم وتعريض حياتهم للفوضى وأوطانهم للخراب.. وهذا هو السبب الرئيسي لفشل مشروع «الربيع العربي» الذي لازال بعض من المحبين العيش في ظل الهدم والحقد وإسالة دماء الأبرياء يسعون لمواصلة الترويج له، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين.
وبالرغم عن مضي ثماني سنوات منذ أن انطلقت شرارة ما سمي بالربيع إلا أن مواطني البلاد التي تعرضت لنار الربيع انتقلوا من العيش بطمأنينة في ظل الاستقرار الذي كانوا يعيشونه ، حتى وإن كان بعضهم غير راضين عنه، انتقلوا الى العيش في ظل فوضى ورعب وتحت تحكم مليشيات لا ضابط لها. وكمثال تحولت ليبيا إلى خرابة كبيرة تتحكم بها المليشيات وتساعد قوى أجنبية متعددة على استمرار انهيار البلاد بدعم مختلف المليشيات التي تحارب بعضها بعضاً. كما أن تونس، التي يحرص الأوربيون والأمريكيون على وصفها بتجربة ناجحة لعملية الربيع التي دعموها، تعاني الأمرين من الانقسامات السياسية الداخلية والدعم المالي الذي تسعى قوى أجنبية عبره الى التأثير على المسيرة السياسية للبلاد بدون أن تتحسن معيشة المواطن.
الفوضى أدت الى حروب أهلية ليبية وسورية ويمنية وسقوط أنظمة في تونس وليبيا واليمن ومصر، وتمكن النظام السوري من الصمود حتى الآن بجيوش ومرتزقة إيرانية وروسية، بعد أن تم تخريب البلاد وسقوط حوالي نصف مليون سوري قتلى، وتشريد أكثر من عشرة ملايين من السوريين داخل وخارج بلدهم، ودخلت الأراضي السورية جيوش إيران وإسرائيل وتركيا وروسيا وأميركا في تدخل مباشر معلن وأقامت لها قواعد عسكرية فيها إلى جانب عشرات المليشيات المسلحة من مختلف أنحاء العالم والتي تدعمها أجهزة واستخبارات متعددة.
والملاحظ أن النظام العالمي، الذي خلق الربيع، يسعى لممارسة تجارب متعددة في ليبيا، حيث سعى أكثر من مرة، عبر الأمم المتحدة ودول أوربية، إلى إعادة بناء ليبيا حسب المواصفات الخاصة به، ولكنه لم ينجح في ذلك إذ إن الواقع على الأرض لا يتيح خلق حلول تتجاهله.
ويؤيد النظام العالمي حكومة الوفاق في طرابلس التي لم تتمكن من مد نفوذها سوى لمناطق محدودة داخل مدينة طرابلس، العاصمة، التي تقاسمتها المليشيات وحولتها الى كيانات تقاتل بعضها بعضاً. بينما يتم التعامل بحذر مع حكومة خليفه حفتر الذي تسيطر قواته على معظم أجزاء شرق ليبيا ومناطق أخرى من البلاد، ربما لعدم انطباق مواصفاتهم (الربيعية) على حكومته التي تمثل البرلمان الليبي. وسعت أوربا، وخاصة إيطاليا، لوقف الهجرة من وعبر ليبيا بتمويل إنشاء معسكرات للمهاجرين وقاموا بالإتفاق مع المليشيات، بما في ذلك مهربو البشر الذين كانوا يقومون بعمليات التهريب الى أوربا، ودفعوا لهم الأموال حتى يحتفظوا بالمهاجرين داخل معسكرات في ليبيا. وعقد الرئيس الفرنسي ، إيمانويل ماكرون، مؤخراً مؤتمراً لقادة المليشيات والسياسيين لدفعهم الى الاتفاق على دستور للبلاد، ولم يوافقوا على ذلك ولكنه نجح في إقناعهم بإجراء انتخابات برلمانية يوم العاشر من ديسمبر القادم، لا يتوقع المراقبون لها النجاح.
مأساة البعض أنهم لا يتعلمون، وعندما تقع الواقعة يعودون للتعبير عن ندمهم والاشتياق الى الماضي الذي خسروه. وعلى العرب أن يتعلموا مما يدور حولهم، حتى لا يخسروا أنفسهم ومستقبلهم .
ليبيا وإخوانها يلعنون ذلك (الربيع) القبيح
تاريخ النشر: 28 أغسطس 2018 01:00 KSA
والملاحظ أن النظام العالمي، الذي خلق الربيع، يسعى لممارسة تجارب متعددة في ليبيا، حيث سعى أكثر من مرة، عبر الأمم المتحدة ودول أوربية، إلى إعادة بناء ليبيا حسب المواصفات الخاصة به، ولكنه لم ينجح في ذلك إذ إن الواقع على الأرض لا يتيح خلق حلول تتجاهله
A A