Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

اللورد كارنغتون عرّاب القضايا العربية والإفريقية

رؤية فكرية

A A
حملت صحيفة الديلي تلغراف البريطانية، الأكثر مبيعًا في الشارع البريطاني، في عددها رقم (50742) بتاريخ الأربعاء 11 يوليو 2018م، خبر رحيل واحد من أبرز وزراء الخارجية في العالم الغربي، وقد يكون الأبرز في بريطانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ألا وهو اللورد بيتر كارنغتون The Lord Peter Carrington [1919م – ة2018]. وعلى الرغم من أن هذه الشخصية قد تسنمت حقائب وزارية عديدة، من أبرزها وزارات: الدفاع، والخارجية، والطاقة، إضافة إلى رئاسة مجلس اللوردات، ثم أمينًا عامًا لحزب النيتو، إلا أنه لم يقتعد مكانًا في مجلس العموم، لأنه ورث لقب لورد عن طريق أسرته، التي تعد واحدة من الأسر الأرستقراطية المشهورة.

ويمكن تلخيص إنجازاته على المستوى الخارجي في قضايا هامة، وحيوية، في مقدمتها قضية زيمبابوي، التي كانت تعرف باسم «روديسيا» سابقًا؛ فعندما تسنم حقيبة وزارة الخارجية عام 1979م، بعد صعود مارغريت تاتشر Margaret Thatcher كزعيمة لحزب المحافظين، ورئيسة للوزراء، وقد كانت تاتشر غير موافقة على الجلوس مع الزعماء الأفارقة، روبرت موغابي Robert Mugabe ورفاقه، إلا أنه أصر بشدة على أن الوقت حان لتعترف بريطانيا بحقوق الأغلبية السوداء، وبعد ما يقرب من أربعة عشر أسبوعًا من المحادثات الماراثونية، في ما يعرف بـ»لانكستر هاوس House of Lancaster «، توصل الطرفان إلى الحل الديمقراطي، وصعود الأغلبية السوداء إلى سدة الحكم. وتزامن إنجازه ذلك مع إنجاز آخر يخص القضية الفلسطينية، فلقد كان أحد عرابي إعلان البندقية؛ الذي اعترف فيه الاتحاد الأوروبي لأول مرة، منذ قيام الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين العربية والمسلمة، بحل الدولتين، وقد فوجئت إسرائيل بالقرار الأوروبي؛ وخصوصًا في الموقف البريطاني، لجهة العلاقة بين بريطانيا وإسرائيل، وارتفعت أصوات داخل بريطانيا تتهم كارنغتون بالعداء للسامية. ولم يكتفِ اللورد كارنغتون بالمساهمة في هذا الإعلان؛ بل إنه رأى في قرار قمة فاس 1981م ما يعتبر أساسًا لقيام الدولة الفلسطينية.

وعندما زار الإرهابي مناحيم بيغن Menachem Begin بريطانيا، واجتمع مع مارغريت تاتشر واللورد كارنغتون، كان الأخير صريحًا مع بيغن في ضرورة جلوس إسرائيل مع الفلسطينيين، ضاربًا له المثل بجلوسه مع موغابي وزمرته، وقد كانوا يصنفون في الماضي بـ»الإرهابيين»، كما كان بيغن نفسه مطلوبًا للعدالة البريطانية، بعد حادثة تفجير فندق الملك داوود. وينقل صورًا هستيرية من سلوك بيغن، وقد كان يضرب برأسه الطاولة التي أمامه ملقيًا باللوم على الإنجليز في عدم كبح جماح الحركة النازية، وقد وصف كارنغتون بيغن بقوله: «إن الرجل يعيش في الماضي»، وهو أدق وأجرأ وصف لهذا الزعيم الإرهابي، وسلفه حتى اليوم، والذين يمثلهم خير تمثيل بنيامين نتينياهو Benjamin Netanyahu، الذي لا يقل عنصرية عن جيل مناحيم بيغن، واسحق شامير Yitzhak Shamir، وأرييل شارون Ariel Sharon ، وأتباعهم.

نستطيع دون تحفظ القول بأن الساحة العربية قد فقدت أحد مناصري قضاياها، برغم أنها لم تستفد من مواقفه الإيجابية في السابق، حيث لم يسجل لأي مؤسسة عربية في الغرب أنها أتت على ذكره، أو الإشادة بمنجزاته السياسية، وكأنها تغط في نوم عميق، بينما يقوم الإسرائيليون بالاهتمام بالشخصيات التي تنحاز إليهم، وتؤيد أطروحاتهم السياسية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store