ضيوف الرحمن في مملكة الأمان

في كتاب الله الكريم قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. ولحكيم من شعراء العرب قوله:

لا تقلْ أصلي وفصلي أبداً * إِنما أصلُ الفتى ما قد حَصَل.

وقد حصل المؤمل في موسم حجِّ هذا العام، مُحَقِّقًا تفوُّقًا غير مسبوق في التخطيط والتطبيق، وفي تقديم خدمات مميَّزة في الجودة والرقيِّ لضيوف الرحمن الذين أتوا من بلدان العالم كافَّة، وأدُّوا مناسك حجِّهم بكلِّ يُسر وسهولة وأمن وأمان. وقد قُدِّمت الخدمات اللازمة من نقل وإقامة وإرشاد ورعاية صحيَّة وأمنيَّة واداريَّة لأكبر تجمُّع بشريٍّ يتنقَّل بكامل أفراده وعدَّتهم وعتادهم ما بين بيت الله الحرام في مكَّة المكرَّمة والمشاعر المقدَّسة في منى وعرفات فمزدلفة فمنى والعودة منها إلى مكَّة المكرَّمة. وفي زيارة من رغب من ضيوف الرحمن الصلاة في الروضة الشريفة في المسجد النبويِّ الشريف بالمدينة المنوَّرة والسلام على رسولنا الكريم. كلُّ هذا التحرُّك تمَّ في أيَّام معدودات داخل مدينة متنقِّلة يتحرَّك فيها مليونان وأربعمائة ألف حاجٍّ وحاجَّة من ضيوف الرحمن. وقد اكتملت البنية التحتيَّة لتلك المدينة المتنقِّلة وتوفَّرت فيها كلُّ الخدمات والمرافق اللائقة من سكنيَّة وتموينيَّة وصحيَّة وأمنيِّةً، يسهر على أدائها مئات الألوف من شباب المملكة الرسميِّين والأمنيِّين والمهنيِّين والمتطوِّعين.

مدينة متنقَّلة شامخة في صعيد عرفات ليوم واحد هو التاسع من شهر ذي الحجَّة من كلَّ عام، وبعده في منى طوال أيَّام عيد الأضحى، ومن قبل ومن بعد في المدينتين المقدَّستين؛ مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة وقد اندمج سكَّانهما من ضيوف الرحمن مع أهاليهما معيدين للذاكرة صور اندماج المهاجرين بالأنصار قبل خمسة عشر قرنًا

حينما أرسى رسولنا الكريم قواعد أَّوَّل دولة، لا فوارق اجتماعيَّة بين مواطنيها من حيث العرق والأصول، ولا فضل لعربيٍّ فيها على أعجميٍّ إلَّا بالتقوى.

جدير بالتنويه مع الشكر والتقدير ما شاهدناه على الفضائيَّات التي نقلت مشاعر الحجِّ صور رجال الأمن وهم يقدِّمون خدماتهم بكفاءة وبحبٍّ وطيب خاطر لطالبيه وللمتقدِّمين في العمر... وللفريق الفنَّي التقني وهو يتابع لقطات عشرات الألوف من كاميرات التصوير التي نصبت في كلِّ الطرق والمرافق التي يسلكها الحجَّاج، وحول الحرمين الشريفين وداخلهما، للاطمئنان على سلامة ضيوف الرحمن وأمنهم وأمانهم... وللفريق الصحِّي الذي أقام مستشفيات ومراكز صحيَّة متنقِّلة ترافق مسيرة الحجَّاج، وقد أجرى 1594 عمليَّة غسيل كلى و513 عمليَّة قسطرة قلب وثلاثين عمليَّة قلب مفتوح، وأحد عشر عمليَّة ولادة، و175 عمليًّة منظار في الأيَّام التسعة الأولى من هذا الموسم.

وكما يقال، من شاهد لا كمن سمع، فإنَّ مقدِّمة هذا المقال اختصرتها بتصرُّف ممَّا أفاض به صديق إسباني أدَّى فريضة حجِّ هذا العام، وعاد منبهرًا ممَّا شاهده وعايشه على مدى أسبوعين في المدينتين المقدَّستين وفي المشاعر المقدَّسة.