لم يكن مشهد تأبين السيناتور الجمهوري جون ماكين John McCain يحمل بعدًا دينيًا فقط؛ فقد كان يحمل أبعادًا اجتماعية وسياسية متنوعة، فلقد شاهدنا مثلاً حضور جورج بوش الابن George W. Bush، على الرغم من اختلافه مع ماكين حول الغزو الأمريكي على العراق، كما شاهدنا اثنين من الرؤساء الديمقراطيين، هما بيل كلينتون Bill Clinton وباراك أوباما Barack Obama، وهذا الأخير اختلفت بعض من رؤاه مع رؤى «ماكين McCain«، مما يعطي الانطباع بحضور لافت لهذه الشخصية السياسية على مدى أكثر من ثلاثين عامًا.
وهذا المشهد الجنائزي قد يوحّد صفوف الحزب الجمهوري كما أنه يفتح الباب على مصراعيه أمام تنافس جمهوري ديمقراطي في المرحلة القادمة، وخصوصًا الانتخابات النصفية للمجالس التشريعية. ولم تكن أمريكا وحدها من ينفرد بمثل هذا المشهد؛ فلقد تسعف الذاكرة على مشهد من بلاد الإنجليز، فعندما رحلت مارغريت تاتشر Margaret Thatcher كان من أوائل من ألقى عليها نظرة الوداع الأخيرة، خصومها في الحزب، مثل جيفرى هاوGeoffrey Howe، ومايكل هيزلتاين Michael Heseltine، وبيتر كارينغتون Peter Carington، كما أن رموز حزب العمّال؛ مثل توني بلير Tony Blair، وقوردن براون Gordon Brown، وسواهما كانوا من المشاركين في حفل تأبين رئيسة الوزراء السابقة تاتشر Thatcher.
إن ظروف رحيل بعض الرموز السياسية، يكون أحيانًا سببًا في كسب الأحزاب التي انتموا إليها شيئًا من التعاطف، والشاهد على ذلك، عند مقتل الرئيس الأمريكي جون كنيديJohn F. Kennedy، كسب الحزب الديمقراطي آنذاك تعاطفًا جماهيريًا، كان له أثره في الساحة السياسية الأمريكية على نحو معروف في أدبيات السياسة على مستوى الساحة الأمريكية.. والحال نفسه عندما رحل زعيم حزب العمّال المعارض هيوجيث جيتسكل Hugh Gaitskell، على نحو مفاجئ ومثير عام 1963م، فأدى ذلك الرحيل الغامض والمفاجئ إلى صعود حزب العمال وفوزه بانتخابات 1964م، على نحو لم يكن متوقعًا، وأصبح هارولد ويلسون Harold Wilson رئيسًا للوزراء بعد ما يقرب من ثلاثة عشر عامًا لحزب العمال في الشتات. كما أدت وفاة جون سيمث John Smith ، زعيم حزب العمال المعارض في التسعينيات الميلادية إلى صعود زعيم المعارضة آنذاك توني بلير Tony Blair.
لكن الغريب السيناتور الجمهوري «ماكين McCain « سبق وفاته بوصية مفادها عدم السماح للرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب Donald Trump بحضور جنازته، معمقًا بهذه الوصية الهوة التي كانت بينه وبين «ترمب»؛ حيًّا وميتًا، وكاشفًا بجلاء عمق الأزمة التي يعيشها الحزب الجمهوري، والتي سيكون لها أثرها بلا شك في الانتخابات النصفية.