Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

بوب وودوارد.. يهزم سلاطين الفول والزيت

أمريكا المنقسمة على نفسها، قد تُمثِّل فرصة مواتية لخصومها ومنافسيها حول العالم، لكنها في ذات الوقت قد تبدو أكثر استعداداً للمخاطرة أو للمغامرة فيما يتعلق بأزماتٍ دولية حادة ومُلحّة، مثل الحرب الوشيكة في إدلب بشمال سوريا، أو تهديدات الملاحة الدولية من قِبَل إيران في مضيق هرمز وباب المندب

A A
بينما كان يساريون مصريون يبدون الشماتة في الولايات المتحدة، بمناسبة فضيحة ووترجيت، وبينما كان الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، يستقبل الرئيس نيكسون لدى وصوله القاهرة في أول زيارة لرئيس أمريكي لمصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بقصيدة يقول فيها

:

شرفت يا نيكسون بابا يا بتاع الووتر

جيت

عملولك قيمة وسيما سلاطين الفول والزيت

!

كانت القِيَم الأمريكية تُسجِّل أقوى انتصاراتها، بنجاحٍ صحافي أمريكي في وضع رئيس أقوى دولة في العالم بين خيارين أحلاهما مر، فإما الاستقالة الطوعية، مع عفو رئاسي لاحق، وإما العزل القسري مع ملاحقة قضائية لاحقة، واختار نيكسون أن يستقيل، وأن ينزوي بانتظار الموت. بوب وودوارد صاحب سلسلة التحقيقات الصحافية التي فضحت تجسُّس نيكسون على مقار للحزب الديمقراطي في ووترجيت، هو ذاته الذي عاد مؤخرا بعد أكثر من أربعين عاما، ليقرع أبواب البيت الأبيض بكتابٍ جديد يتناول الرئيس الأمريكي ترامب، اختار له عنوان: (خوف) (fear). اللافت في كتاب وودوارد الجديد، الذي يصدر رسميا في ذكرى هجمات ١١ سبتمبر، يوم الثلاثاء القادم، أنه يأتي وسط حملة متصاعدة داخل الولايات المتحدة تسبق الانتخابات النيابية في نوفمبر المقبل، وتستهدف سيطرة الحزب الديمقراطي على الأغلبية بمجلسي الشيوخ والنواب، ما يجعل الشروع في إجراءات عزل الرئيس ترامب ممكنا. تحقيقات وودوارد التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست، وسجَّلت بها الريادة في مجال التحقيقات الاستقصائية، اعتمدت على مصدر سري لفضيحة ووترجيت أسماه وودوارد (الحنجرة العميقة). أما الحملة التي تستهدف عزل ترامب، فقد دخلت طوراً جديداً، بمقال للرأي نشرته أمس صحيفة نيويورك تايمز، لكاتب مجهول قالت: إنه مسؤول كبير بإدارة ترامب. الصحيفة العريقة الحريصة على التزام أصول المهنة، اعتذرت لقُرَّائها عن حجب هوية الكاتب بناء على طلبه، وتوخيا للمصلحة العامة، أما المسؤول الكبير بإدارة ترامب والذي كتب المقال بدون توقيع، فقال ضمن ما قال: «إن المشكلة الحقيقية التي لا يُدركها ترامب تماما هي أن العديد من كبار المسؤولين في إدارته، يعملون، من الداخل، بدأبٍ، لإحباط بعض خططه وتوجهاته

».

المقال الذي نشرته النيويورك تايمز، وأثار شكوك ترامب في أقرب مساعديه، تزامن مع تحديات كبرى يُواجهها ترامب في الداخل، مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في نوفمبر المقبل، والتي يخسر ترامب مقعده الرئاسي إن خسرها الجمهوريون، بينما بدت صحيفة الواشنطن بوست المنافس التقليدي لصحيفة نيويورك تايمز، حفية بمقال الصحيفة المنافسة، في حال احتشاد ظاهر ضد الرئيس ترامب شاركت فيه بوضوح شبكة «سي إن إن»، والعديد من الصحف الكبرى وشبكات التلفزة، في حالة احتشاد ظاهرة، لما أسماه فريق ترامب -وأغلبهم من أفراد أسرته- بالدولة (العميقة)، بينما أطلق ديمقراطيون وليبراليون على حالة الاحتشاد للإطاحة بترامب، عبارة الدولة (اليقظة)! تبدو أمريكا منقسمة بين فريق يتبنى رؤية ترامب لذاته، ولا تتجاوز نسبته أربعين بالمئة، وبين فريق يرى الرجل خطرا على أمريكا، ويُمثِّل الأغلبية في استطلاعات الرأي. أمريكا المنقسمة على نفسها، قد تُمثِّل فرصة مواتية لخصومها ومنافسيها حول العالم، لكنها في ذات الوقت قد تبدو أكثر استعدادا للمخاطرة أو للمغامرة فيما يتعلق بأزماتٍ دولية حادة ومُلحّة، مثل الحرب الوشيكة في إدلب بشمال سوريا، أو تهديدات الملاحة الدولية من قِبَل إيران في مضيق هرمز وباب المندب. تصريحات ترامب بشأن حرب محتملة في إدلب، عقب لقائه بسمو الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، بدت حذرة جداً على غير عادته، فقد حذّر من رد أمريكي لم يُحدِّد طبيعته، إذا ما استخدم السوريون أسلحة كيماوية لدى اجتياحهم إدلب، أو إذا استهدفوا مناطق مدنية كثيفة. وذلك على نقيض تصريحاته قبل أيام فقط، ما قد يشير إلى انعكاسات أزمته الداخلية على متطلبات سياسته الخارجية. المسؤول الكبير بالبيت الأبيض، وصاحب مقال بدون توقيع؛ نشرته النيويورك تايمز أمس، أشار إلى وجود فريق من المحيطين بالرئيس، يهتمون بإحباط خطط له يرونها خطراً على مصالح الولايات المتحدة. ما يشير إلى وجود سياستين بالبيت الأبيض.. إحداهما لفريق الدولة العميقة، والثانية لفريق ترامب ومساعديه من أفراد أسرته المقرَّبين. شواهد التاريخ البعيد والقريب، تقطع بأن الرهان على المؤسسة الأمريكية يربح غالباً، وأن الرهان على العلاقات الشخصية، والتجانس الكيميائي مع الرئيس، لا يُؤتي أُكله في كل مرة، فأمريكا دولة مؤسسات، والبيت الأبيض هو أحد تلك المؤسسات

.

للمهتمين: تابعوا معركة أمريكا في الداخل، لتعرفوا مآلات معارك يدور بعضها فوق أراضي العرب، وفي الجوار الإقليمي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store