تَحارُ الكلمات وتتشابك الأفكار وتختلج المشاعر عندما تذكر كلمة (الأم) ولِمَ لا وقد عرفتها أمًا بمعنى الكلمة، بحنانها وعطفها ورحمتها وكرمها وبكل ما تحمل كلمة الأمومة من معان قد لا تجدها في مخلوق غيرها، ذلك أن الفطرة التي فطرها الرحمن عليها تُعجز كل مفكر وخبير وعالم نفس وكل كتب علم التواصل الاجتماعي التي أُلَّفت وسوف تُؤلَّف، رغم أنها لم تتخرج في مدرسة نظامية أو حتى تحسن فن القراءة أو الكتابة لكنها مدرسة بمعناها الشامل، لأنها حققت ما عجزت عنه المدارس من تربية فطرية طبيعية خلقها الله عليها، غرست من خلالها أسمى الصفات وحميد الأخلاق بعفوية باهرة، فهي تعلم الصدق لأنها لا تعرف الكذب، وتعلم الرحمة لأنها خلقت رحيمة لا تعرف القسوة، إنها تعلم دون أن تطيل في الشرح والتفسير و بدون تطبق لفنون التربية والتعليم الحديثة، فلها من فطرتها ما يغنيها عن ذلك كله، حيث تعلم بالأسوة وتربي بالقدوة، فهي تفعل ونحن نشاهد ونتعلم ونعمل، ثم نرى نتاج ما حققت من كسب القلوب ونشر المحبة بين الآخرين، فهي تعطي، وتأمر أبناءها بالعطاء حتى يسعدوا بما يجدون من نتاج هذا العطاء، لم نسمع يومًا أنها غضبت على أحد حتى لو أساء إليها لعدم وجود مكان للحقد أو الحسد في قلبها، تفرح بفرحنا، وتتألم بألمنا، بل وتبحث عن الحل لكل ما يواجهنا من مشكلات وبكل وسيله تعرفها، وتسأل عن أخبار الأهل وتتواصل معهم، حيث تتصل بكل صغير وكبير، وتزورهم في بيوتهم وتتودد لهم بالهدايا أو اللعب، إنها حقًا أم للجميع، هكذا خلقت وهكذا عاشت وسبحان الله عز وجل الذي جعل الفطرة تنتج علمًا أعمق من كل العلوم، علم يتجاوز كل عقول المفكرين وأصحاب الدروس النفسية والاجتماعية.
لقد تعلمت ولا زلت أتعلم من ذلك النبع الصافي وأنهل من معينه السلسبيل.