.. «أبو صالح» وجه يحمل شموس ورائحة أرض هذا الوطن..
كان له دكان في أحد الأزقة الترابية الضيقة، يتسابق إليه الصغار لشراء الحلوى والآيسكريم، ويأتيه الكبارالذين يعرفهم واحدًا واحدًا مثلما هم يعرفونه لشراء مقاضي البيت.. يدفعون حينًا.. وعلى (الدفتر) حينًا آخر.
وفي بعض (العصاري) يفرش لهم «الحنبل» ويبادلهم الهروج.
****
.. و«أبو صالح» كانت له مزارع يسقيها ويحرثها ويحصدها ويبتاع خراجها في مواسم الحصاد..
****
.. و«أبو صالح» كان لديه قطعان من المواشي يرعاها ويسد حاجته منها ومن حليبها وألبانها..
****
.. و«أبو صالح» كان نجارًا وبناءً وصائغًا، كان مهنيًا بامتياز..
****
.. وفي كل المواسم كنت تجد «أبوصالح» حاضرًا حتى موسم الحج كان هو الموجود في كل أعمال هذا الموسم العظيم..
****
.. كان «أبو صالح» في كل مدينة وحارة وقرية وريف وبحر وصحراء هو من يقوم على حياته في شتى مناحيها..
****
.. فجأة هبت عاصفة من تحت أقدامنا ومن بين أيدينا.. (مهاتا) قد حل في الدكان وفي كل مكان.. وتوارى «أبو صالح» بوهم (السيد) وخداع (الشيخ)..!!
****
.. ترهلت سواعد «أبو صالح» وبدأ يلملم وجهه من كل جانب، وبدأت تلك الوجوه بمختلف أشكالها وألوانها تغزو أدق تفاصيل حياتنا وبيوتنا..!!
****
.. وبدأ طوفان التغلغل يجتاح كل شيء، حتى وصلنا إلى المرحلة الأصعب والأخطر..!!
****
.. بعنا لهم وجوهنا، وأسماءنا وأرقام هوياتنا، تملكونا وأصبحنا نعمل نحن عندهم، وأصبحوا هم من يتحكم باقتصادنا ومواردنا ومصالحنا..!!
****
.. أرقام مذهلة لهجرة الأموال، وأرقام مخجلة للبطالة، مفارقات نحن صنعناها بأيدينا..!!
****
.. اليوم تريد الدولة إعادة وجه «أبو صالح» إلى مكانه من خلال (التوطين)، ويحاولون هم ألا يعود، وإغلاق المحلات خير شاهد..!!
****
.. يا شباب لا تزايدون على اقتصادكم ومصالحكم ووطنكم، شمروا عن سواعدكم، وكونوا مع دولتكم على الموعد.