يُؤكِّد كتاب ربنا أن الإيمان بالله وبرسوله -صلى الله عليه وسلم- وبدينه الذي أنزله في كتابه، يعتبر وعداً لعباده المؤمنين بالنصر في هذه الدنيا، ما استقاموا على الدين ولم ينحرفوا عنه، فالله عز وجل يقول: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)، ويقول: (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)، ويؤكد ذلك فيقول: (إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا)، ومن أصدق من الله قيلا (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ)، ومن يُراجع أحداث الإيمان والكفر في هذه الدنيا، سيتأكَّد من ذلك يقيناً، فما وُجِدَ مؤمنون متمسكون بإيمانهم وعاملون بدينهم، إلا والنصر حليفهم، وكتاب ربنا قد امتلأ من قصص الرسل، وكيف نصرهم الله مع عباده المؤمنين عبر تاريخ الأمم، ولا يتشكَّك في هذا إلا من ضعف إيمانه، بل دعني أقول إلا من تخلَّى عن إيمانه بالله ورسله وكتبه، أليس ربنا يقول: (كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز)، وكتب بمعنى فرض، وفريضة الله التي لابد أن يتحقق ولا تتخلف أبداً أن النصر لله ولرسوله وللمؤمنين، لاشك في ذلك أبداً، ولا يتخلف النصر إلا بتخلف الإيمان واتباع الشهوات، يقول الله عز وجل: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًا)، فإذا عمد المسلمون إلى تفريغ الصلاة من مضمونها، ولو أدوها أداءً غير واعٍ، فإنما يتقبل ربنا الصلاة ممَّن تواضع لعظمة الله، ولم يستطل على خلقه، ولم يبت على معصيته، وقطع النهار بذكره، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة، ورحم المصاب، فذاك نوره كنور الشمس يكلأه الله، ويستحفظه ملائكة الله، يجعل الله له في الظلمة نوراً، وفي الجهالة حلماً، ومثله في خلق الله كمثل الفردوس في الجنة، كما ورد بذلك الأثر، وفي زماننا التفريط فيما أوجب الله وعنه نهى، هو ظاهرة، نسأل الله أن يتجنبها كل مؤمن، لا طمعاً في الجنة فقط، ولا درءاً لعذاب النار، بقدر ما يكون ذلك تحقيقاً للإيمان الذي يريد الله، وبه ينصر عباده المؤمنين، والذين ينصرهم بنصر الله دينه، ولاشك أننا جميعاً نتوق إلى هذا النصر الذي يعيد إلينا وهج الإيمان، والقرب من ربنا، فتتحقق كل وعود الله لنا بنصر على أعدائنا، وأن تُطوَّع الدنيا لنا، لأننا ممَّن ينصر الله عز وجل ودينه، فاللهم انصرنا بنصرك يا سميع يا قريب.