دور التعليم العامرة بالطلاب والطالبات لا يمكن أن تعمل بكفاءة عالية ولا تحقق أهدافها ولا ما خطط لها من مشاريع وبرامج وأنشطة، ولا يمكن أن نتعلم شيئًا يذكر، بدون وجود المعلم، فهو قلب العمل التعليمي، ومصدر النور والإشعاع المعرفي.
معلم الأجيال، أنتَ مَن تنير عقولاً وتُعدِّل سلوكًا وتتبنَّى موهبة، وتُمثِّل القدوة الحية التي تمشي على الأرض، حتى في صمتك وهدوئك وحكمتك وإقبالك على عملك بهمّةٍ ونشاط وحب كبير يستشعره طلابك، تبقى دومًا محط الأنظار.. في الخامس من أكتوبر في كل عام يحتفي العالم بك، وحري بنا أن نحتفي بك كل يوم.
تعلمت في مدرسة والدي -حفظه الله- الكثير من السمات والصفات التربوية، وحب العلم والتعليم الذي يجري في شراييني، مازال في ذاكرتي أروقة مدرسة ذي الحليفة في آبار علي بالمدينة النبوية، أتجوَّل في ممراتها وفصولها وقاعات المعلمين، فأثناء طفولتي كنت أرتادها خارج الدوام مع قائد نذر حياته كلها للتعليم وتلقِّي العلم، لم أذكر أبي يومًا ما وجَّه لنا نصيحة مباشرة ولم يُقدِّم لنا توجيهًا تربويًا إلا وكان هو المتمثل أمامنا في كتاب يقرأ فيه ليكمل دراسته، وعلى رأس العمل لم يكتف يومًا بمنصب إداري ولا قيادة واحدة لمدرسة، بل امتد أثره ليتنقل من مكانٍ لآخر في مدينة الحبيب، فيعم أثره ويبقى ذكره عطرًا بين طلابه ومعلميه.
شخصية قيادية تمتلك مهارات عليا في إدارة فرق العمل، واحترام متبادل بينه وبين قيادات إدارة التعليم، كنت أسترق السمع لأتعلم فنون الحوار التربوي بينه وبين مديري التعليم، بدءًا من الأستاذ عبدالعزيز الربيع -رحمه الله- وحتى الدكتور بهجت جنيد -حفظه الله-، والذي تشرفت بالعمل معه في مشروع المدارس الرائدة، ولن أنسى فضله عليّ ما حييت، تعلمت منهم كيف تُغلَّب المصلحة العامة، وكيف تكون العدالة، وكيف نترجم حبنا للوطن بعمل ننجزه.
لم يتغيب والدي عن عمله يومًا واحدًا، حتى في مرضه وفي أشد الظروف، تلك الروح التي عاش بها وهو على رأس العمل كانت وقودًا حقيقيًا ومحركًا لنا، لنثبت له بأن من يعلم أبناء المجتمع لن يكون أبناؤه إلا عند حسن ظنه. من يتعلق قلبه بالله ويتوكل عليه ويستشعر عظم الأمانة التي أنيطت في عاتقه، لن يُقصِّر يومًا، ولن يُحابي أحدًا، وتعلمت منه أننا أمام الله مسؤولين عن رعية أوكلنا الله أمرهم في صغير أمورهم وكبيرها.
كان يحكي لي عن بعض المواقف التي لا تُنسى أبدًا، وحفرت في ذاكرتي قيمًا أتبناها في زمن كان الناس يُصنِّفون بعضهم بعضاً بناء على مذهبهم أو قبيلتهم أو منطقتهم، وكان يُحذِّر مَن يعمل معه بأن يكون خائنًا للأمانة، فيحابي أو يظلم أحدًا، وكيف تتم معالجته لهذا التطرف والتعصب بحكمة وروية.
كلماتي في يوم المعلم أهديها لك يا معلم الأجيال في مدينة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، واعلم أن تلك الكلمات لن تُوفيك حقك، فما زلت أتعلم في مدرستك التي لن تغلق أبوابها، وإن ترجَّلت عن موقعك القيادي التعليمي في تعليم المدينة.. جزاك الله عنا وعن طلابك ومعلميك خير الجزاء.
إليك معلم الأجيال
تاريخ النشر: 05 أكتوبر 2018 01:00 KSA
معلم الأجيال، أنتَ مَن تنير عقولاً وتُعدِّل سلوكًا وتتبنَّى موهبة، وتُمثِّل القدوة الحية التي تمشي على الأرض، حتى في صمتك وهدوئك وحكمتك وإقبالك على عملك بهمّةٍ ونشاط وحب كبير يستشعره طلابك، تبقى دومًا محط الأنظار.. في الخامس من أكتوبر في كل عام يحتفي العالم بك، وحري بنا أن نحتفي بك كل يوم
A A