نتحدث في مجالسنا بكثير من الإعجاب عن انضباط واحترام مجتمعات الغرب والشرق للنظام والقوانين، ونتحدث بنفس الإعجاب عن كثير من سلوكهم الحضاري في التعامل مع الخدمات والمرافق العامة ومحافظتهم عليها وأدائهم في أعمالهم وشعورهم بالمسؤولية تجاهها، وعن احترامهم لقواعد وأنظمة المرور والسير وغيرها.
كل هذه المظاهر الإيجابية التي نتحدث عنها بهذا الإعجاب الشديد لم تأتِ بين يوم وليلة، ولم يكونوا منذ البدايات مجتمعات بالرقي الحضاري الذي نتحدث عنه.. ولكنهم أصبحوا كذلك كما نراهم اليوم نتيجة العامل الاقتصادي والقانوني بالدرجة الأولى، فهم يدركون أن الخدمات التي حولهم تحميها وتحافظ عليها أنظمة وقوانين صارمة تحاسب كل من يتجاوزها أو يخالفها، الأمر الذي ينعكس على جيوبهم ووضعهم النظامي والقانوني والمالي، إلى أن تشكَّلت لديهم هذه المفاهيم وتبلورت تلك الممارسات الإيجابية التي صاغت سلوكهم الجمعي.
وفي نفس السياق أجزم أن لا أحد لدينا في المجتمع لا يعرف أن قطع الإشارة المرورية مخالفة جسيمة وسبب في حوادث قاتلة لا قدر الله، ولا أحد يجهل أن إتلافه أو تسببه في الأذى أو العبث بمرفق عام كالحدائق والمنتزهات أو التسبب في إتلاف طريق أو شارع أو خدمة عامة سلوك خاطئ ويعد مخالفة وتجاوزاً . هذه أمور الكل يعرفها ولا أحد يجهلها، وبالتالي فإن مرحلة التعريف بالخطأ مرحلة تم تجاوزها وأصبحت معلومة بالضرورة لدى الجميع.. بقي أن يكون هناك الرادع الصارم في تطبيق القانون والنظام حتى تتغير السلوكيات السلبية، ولنا في ذلك خير مثال أنظمة المرور، فعندما تم تطبيق نظام صارم للمخالفات المرورية من قطع للإشارات وتجاوز السرعات المحددة والوقوف الخاطئ وغيرها أصبح الناس أكثر حرصاً والتزاماً وخشية من الوقوع في تلك المخالفات وتجنباً لما يترتب عليها من غرامات تمس جيوبهم وعقوبات تطبق عليهم على حد سواء، وبالمثل فإن تطبيق الأنظمة والقوانين الأخرى المتعلقة بالمرافق والخدمات العامة ستغير الكثير من السلوك الخاطئ للأفراد وبالتالي المجتمع في التعامل معها وسيصبح السلوك الإيجابي المكتسب جزءاً من ثقافة المجتمع بمرور الوقت.