Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

الغرب يفتقد الواقعية السياسية

وأعتقد أن الدول الغربية، وعلى رأسها أميركا، بحاجة الى سياسات واقعية نصح بها كيسنجر وحقق (في بعضها) إنجازات جيدة . فهي اليوم عاجزة عن الاتفاق على سياسة متجانسة وسيؤدي الاختلاف إن عاجلاً أم آجلاً الى عواقب لن تكون بمصلحة المجموعة الغربية.

A A
يفتقد الغرب (أميركا وأوربا وكندا) إلى سياسي مشابه لهنري كيسنجر، الذي أدار السياسة الخارجية الأميركية لفترة طويلة كوزير للخارجية وكذلك كمستشار للعديد من الرؤساء الأميركيين، والأوروبيين، وقادة دول أخرى. ومن أبرز الذين يزورونه ويستشيرونه الرئيس الصيني الحالي، شي جين بينغ.

(أوباما كان الرئيس الأميركي الوحيد منذ الرئيس دوايت إيزنهاور الذي لم يسعَ لاستشارته). وتوصف سياسة كيسنجر بالواقعية، وإن كان بعض المفكرين الغربيين المؤمنين بالواقعية السياسية اعتبروه (متقلباً، غير واقعي)، واختلف العرب فيما بين الإعجاب به أو كراهيته لدوره في المفاوضات بين العرب وإسرائيل خلال السبعينيات. إلا أن تأثيره فى السياسة الغربية تجاه الشرق الأوسط كان واضحاً ومؤثراً، وقبلها تمكَّن عام 1966 من إخراج أميركا من حربها في فيتنام، ويقول إنه اكتشف حينها أن أميركا تفتقد القدرة في إدارة حرب عصابات (ضد الفيتناميين) ووجد أن سلاماً يتم التفاوض عليه (جرت المفاوضات في باريس) أقل تكلفة من الانسحاب دون مفاوضات أو الاستمرار في الحرب بأعداد ومعدات أكبر.

اليسار الأميركي والأوروبي يتعمد التقليل من قيمة إنجازات الرجل الأميركيه. ويقول أنتوني لويس، كاتب أميركي، بأن سياسات كيسنجر هي «هوس بالنظام والقوة على حساب الإنسانية». ويقول كيسنجر في تبرير سياسته الواقعية بأن «ربط السياسة بالمحافظة على القيم يؤدي الى الشلل في اتخاذ القرارات».. وعام 1956 عبرعن ذلك بالقول إن «الإصرار على أخلاق نقية هو بحد ذاته غير أخلاقي»، وساعدته أصوله الألمانية على اكتساب خبرات ومهارات سياسية بفضل علاقته التى لم تنقطع سياسياً مع أوربا، إذ إنه ولد في ألمانيا وهاجر منها الى أميركا وشارك كجندي في الجيش الأميركي في الحرب العالمية الثانية.

اليسار الأميركي تبنى باراك أوباما الليبرالي وسياساته بحماس شديد ورفض أي انتقاد لمحاولات أوباما زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، ووقوفه متردداً وعاجزاً عن اتخاذ القرار في ليبيا التي اضطرت معها وزيرة خارجيته حينها، هيلاري كلينتون، للدفاع عن الدور الأميركي بالقول إنه (قيادة من الخلف) . وكذلك الأمر تجاه خطه الأحمر الذي حذر النظام السوري من تجاوزه، وعندما تجاوزه بشار الأسد سارع أوباما لاحتضان مقترحات روسية أدت في النهاية الى توسع النفوذ الروسي بالمنطقة. وهذا ما يحدث بالنسبة للاتفاقية النووية مع إيران إذ إنه بالرغم من قناعة اليسار بأميركا وأوربا بأنها قاصرة فإن الرغبة في الدفاع عن السياسات الليبرالية لأوباما وعهده تجعلهم يتغاضون عن ذلك ويدافعون عنها، وينصحون النظام الإيراني بالصمود.

انتقد هنري كيسنجر السياسيين الأميركيين بسبب جهلهم بتاريخ الدول وعدم دراسته، حيث إن التاريخ في نظره، مصدر هام يوضح التجانس والتشابه فيما بين الماضي والحاضر في كل دولة ويحدد العوامل المؤثرة في فهم أسس تركيبة الدولة وسياساتها وتوجهاتها. وهو ينصح الساسة بقراءة تاريخ كل دولة قبل تحديد مواقفهم وسياساتهم تجاهها. وهاجمه بعض المفكرين ووصفوه بأنه ميكافيللي «يؤمن بأن المحافظة على كيان الدولة (أي دولة).. يتطلب القسوة والخداع على حساب الخصوم الداخليين والخارجيين». وقالوا إن بطلاه هما حاملا لواء الواقعية السياسية الأوربية السياسي النمساوي مترينيخ والقائد البروسي بسمارك.. ويرون أن سياساته هي انعكاس لواقع ولى وتاريخ يعتقدون أنه لا يتكرر وبالتالي فإنهم يسعون لتغيير العالم بقواعدهم التي يعتبرها كيسنجر غير عملية.

ويرى كيسنجر أن المعضلة الرئيسية في عصر الديمقراطيات أن الناس تفضل القائد الجذاب ذا الشخصية الساحرة على رجل الدولة البارع. وأعتقد أن الدول الغربية، وعلى رأسها أميركا، بحاجة الى سياسات واقعية نصح بها كيسنجر وحقق (في بعضها) إنجازات جيدة . فهي اليوم عاجزة عن الاتفاق على سياسة متجانسة وسيؤدي الاختلاف إن عاجلاً أم آجلاً إلى عواقب لن تكون بمصلحة المجموعة الغربية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store