في ظل التدفق المستمر للإستراتيجيات الحديثة والمشاريع التعليمية على الميدان التعليمي بشكل يثير الدهشة، يصبح من الضرورة بمكان إعادة النظر في هذه الإستراتيجيات والمشاريع التي زاحمت المقررات الدراسية، وربما تفوقت عليها. اليوم أصبح المعلمون والطلاب واقعين بين مقررات دراسية تتطلب من المعلمين الالتزام بتقديم محتواها وفق خطة زمنية محددة مسبقًا، وتتطلب من الطلاب الانتظام لتلقي محتواها واستيعابه، وبين إستراتيجياتٍ تنمو بشكل متسارع، ومشاريعَ تعليميةٍ يُنسي بعضها بعضًا. مكمن الغرابة هو في كيفية التوفيق بين كمِّ هذه المُدخَلات المتعددة في ظل يوم دراسي قصير، ومقررات دراسية متضخمة، وبيئة تعليمية متواضعة. دونكم إستراتيجيات على شاكلة (العصف الذهني والتعلم التعاوني والتعلم والنشط ومنظومة الأداء الإشرافي.. إلخ) وغيرها من الإستراتيجيات التي يغص بها الميدان التعليمي، ودونكم مشاريع وزارية كمشروع الاختبارات (حَسِّنْ)، ومشروع اختبار نهاية المرحلة، إضافة إلى المشاريع الذاتية التي تتبناها إدارات التعليم وتطبقها في نطاقها التعليمي؛ طمعًا في بلوغ هذه المشاريع درجة الرشد، ومن ثَم تعميمها من قِبَل الوزارة على إدارات التعليم جميعها فتغدو بذلك فتحًا تعليميًّا يستحق الإشادة والثناء. هذا إذا تجاوزنا المناسبات الموسمية كأسابيع المرور والشجرة والدفاع المدني.. إلخ، بالإضافة للمشاركات في المسابقات العلمية والأدبية والرياضية، والزيارات المتكررة للجهات الحكومية بغرض تقديم عمل أو نشرة لمسؤوليها، أو زيارة المستشفيات بغرض عيادة المرضى، أو زيارة مصنع أو محطة، وقل ما شئت عن عمليات خروج أعداد من الطلاب من مدارسهم تحت تلك المبررات وغيرها. وفي معمعة ما سبق فالأمر لا يتوقف على خروج أعداد من الطلاب بل يتطلب خروج بعض المعلمين، وكان آخرها خروج قائد كل مدرسة -خاصة الابتدائيات منها- مصطحبًا معه معلمًا لإجراء اختبار نهاية المرحلة في مدرسة أخرى، فلا تسل بعد ذلك عن حالة الخلل والارتباك الحاصلَين. نحن إذن إزاء مقرراتٍ دراسية تزاحمها إستراتيجياتٌ عديدةٌ ومشاريعُ تعليمية متكاثرة وأسابيعُ وأيامٌ موسميةٌ وخروجٌ ميداني إلى جهات حكومية ومسابقاتٌ تعليمية تأخذ الكثير من زمنِ حصصِ المقرراتِ الدراسيةِ وأوقاتِ الطلاب، ولذا ومن أجل مصلحة أبنائنا الطلاب فالمأمول هو الاكتفاء مع المقررات الدراسية بإستراتيجية واحدة أو مشروع واحد لكل عام دراسي، وإلغاء ما سواها عدا مناسبة اليوم الوطني فيكتفى له بيوم داخل المدرسة. ومن الحلول أن تُختصر محتويات المقررات الدراسية -أو المقررات نفسها- بحيث تستوعبها الأربع الحصص الأولى من اليوم الدراسي وتُخصص الحصص المتبقية للإستراتيجيات والمشاريع وخلافها. ومن الحلول أن يُخصص يوم (الخميس) للإستراتيجيات والمشاريع وخلافها وتُخصص بقية الأيام لمحتوى المقررات الدراسية. لست ضد الإستراتيجيات والمشاريع وخلافها، ولكني مع تقنينها وإيجاد حلول توافقية بينها وبين المقررات الدراسية، لا أن يبقى الوضع بهذه الصورة المربكة والمشتتة للميدان التعليمي والتي أفقدت بدورها القادةَ توازنهم، وأنست المشرفين أدوارهم، وأربكت خطط المعلمين، وشتتت تفكير الطلاب حتى أصبحوا «لا يقدرون مما كسبوا على شيء» وعلى إثْرها انتقل التنافس بين المدارس من كونه تنافسًا على التحصيل الدراسي والتفوُّق العلمي إلى تنافس على الأكثر حضورًا في منصات التواصل الاجتماعي عن طريق الاشتغال بتفعيل تلك الإستراتيجيات والمشاريع والمناسبات والأسابيع والأيام الموسمية؛ ومن ثَم (توثيقها)؛ كسبًا لرضا المسؤول التعليمي.
تعليمنا.. بين التحصيل والتوثيق
تاريخ النشر: 24 أكتوبر 2018 01:00 KSA
نحن إذن إزاء مقرراتٍ دراسية تزاحمها إستراتيجياتٌ عديدةٌ ومشاريعُ تعليمية متكاثرة وأسابيعُ وأيامٌ موسميةٌ وخروجٌ ميداني إلى جهات حكومية ومسابقاتٌ تعليمية تأخذ الكثير من زمنِ حصصِ المقرراتِ الدراسيةِ وأوقاتِ الطلاب، ولذا ومن أجل مصلحة أبنائنا الطلاب فالمأمول هو الاكتفاء مع المقررات الدراسية بإستراتيجية واحدة أو مشروع واحد لكل عام دراسي، وإلغاء ما سواها عدا مناسبة اليوم الوطني فيكتفى له بيوم داخل المدرسة.
A A