أتاحت الدولة من خلال مجموعة الأنظمة والإجراءات لمكافحة التستر والعمالة في سوق العمل، فرصة ذهبية لشباب الوطن في الاستفادة بالدخول مباشرةً في التجارة الحرة. حيث يتمكَّن مَن يرغب في الاستفادة من المُحفِّزات المتوفرة، مع وجود مساحة متاحة للاستفادة من السوق السعودي الدخول إليه. ولكن يبدو أن الخوف من المخاطر، والاتكالية، كبُعدين مُؤثِّرين على قرار الدخول في السوق، والاستفادة من الفرص المتاحة فيه، هو المسيطر على شبابنا. حيث يبدو أنهم يرغبون في الحصول علي وظائف مضمونة الراتب، تليق بما تَحصَّلون عليه من درجاتٍ علمية، أفضل من الدخول في معترك الحياة.
والسؤال: لماذا؟ وما المطلوب عمله لتحويل هذا التوجُّه لدى الشباب؟، أولاً، السلوك السابق يُفسِّر لنا لماذا يعتبر الحجم الكبير هو الهدف والمتاح في سوقنا، فالحجم الكبير هو ما يُوفِّر لنا التوظيف بالشكل المطلوب من مجموعة أبنائنا الاتكاليين.
ونعود لسؤالنا لماذا؟، والسبب هو الرغبة في الاستفادة من الدرجة العلمية، وحلم الوظيفة مضمونة الراتب، والعيش في راحة، بعيداً عن منغصات السوق وتقلباته، وعدم الرغبة في تحمُّل المخاطر. ويبدو أن هذا النمط هو الحادث في الدول المحيطة بِنَا (من الدول العربية)، حيث تقوم مؤسسات الدولة المعنية هناك بدور المسيطر على الأسواق، والمُوظِّف لأعداد كبيرة من الأفراد، وهذا هو اقتصاد الدولة، أو الاقتصاد الاشتراكي، الذي كان سائداً في العقود الماضية، والذي يتماشي مع نمط الاتكالية، والبُعد عن المخاطر، والذي يتحمل عادة تبعات هذا النوع من الاقتصاد هو الدولة. والشطر الثاني من سؤالنا يُركِّز على كيفية التغيُّر، وهو نابع أساساً من النظام التعليمي، والرغبة في تخريج أكبر عدد من الجامعيين، كنوعٍ من الرقي، وارتفاع مستوى البلاد الثقافي، فالمتعلِّم تعليما عاليا عادةً ما يكون أكثر نضجاً ورغبة في تقليل المخاطر، وعدم تحمُّلها، والرغبة في الوظيفة، والحصول على المضمون. كذلك نضيف لها الصورة الذهنية التي تُركِّز عليها الأسرة والتعليم، فهي التي تُشجِّع وتقسم المجتمع، مما أدى إلى حدوث الوضع الحالي الملموس عندنا. فروح المغامرة والرغبة في العمل الحر نجدها أقل ما تكون في مجتمعنا، وحتى الرغبة في أعمال ووظائف، مثل التسويق، نجدها في المؤخرة، حتى عند اعتماد برامج توطين الوظائف. لذلك أمامنا الكثير للقيام بتغيير جذري في مجتمع اعتاد أفراده على نمط وفِكر مُحدَّد في التوظيف والعمل.