Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

خيرُ الأعمال.. بذر الاعتدال

الحبر الأصفر

A A
مِن الوَاضِح أَنَّنا نَعيش فِي زَمَنٍ؛ تَتَعَالَى فِيهِ أَصوَات المُتطرَّفين، وصرَاخهم الحَادّ، لِذَلك دَعونَا نَبثُّ شَيئاً؛ مِن بذُور الاعتدَال، لَعلَّها تُثمر فِي صَحرَاء الجَلَافَة، والقسوَة والتَّصلُّب، الذي نَعيشه عَلَى مُستوَى بَعض الآرَاء، والنَّشرَات الإخبَاريَّة، وردُود أَفعَال بَعض مُرتَادي مَواقِع التَّواصُل الاجتمَاعي.. فمِن مَزَايَا الاعتدَال، أَنَّه يُكسِب الحَيَاة جَمَالاً ورَونقاً، ويُزيد مِن جَاذبيّتهَا، وفِي ذَلك يَقول العَالِم "ريختر": (الأَعمَال تُكسِب الحَيَاة القوَّة، والاعتدَال يُكسِبهَا الجَمَال)..!

إنَّ الاعتِدَال لَيس أسلُوب حَيَاة، بَل هو فَنٌّ بَديع، يُؤدِي إلَى دُنيَا السَّعَادَة، التي يَبحَث عَنهَا الفَلَاسِفَة، وقَد لَخَّص هَذه الفِكرَة الفَيلسوف "دوايت" فقَال: (مَن عَرف فَنّ الاعتدَال، عَرف عِلْم السَّعَادَة، وحَاز حجر الفَلَاسِفَة، الذي يُحيل كُلّ شَيء إلَى ذَهب)..!

ومُشكلة أَكثَر النَّاس؛ أَنَّهم يَتطرَّفون فِي اعتدَالِهم، فإذَا قُلتَ لأَحَد المُتطرّفين: "اربط الحِزَام"، ربَط الحِزَام النَّاسِف، لِذَلك يُحذّرنا الفَيلسوف "بيتر كوفر" مِن التَّطرُّف فِي الاعتدَال، قَائِلاً: (حَتَّى الاعتدَال؛ يَجب أَنْ يُمارَس باعتِدَال)..!

فلَو سَألتَ أَي حَكيم عَن مُواصفَات الإنسَان العَاقِل، لقَال: إنَّ أوّل مَا يُميِّز العُقلَاء هو الاعتِدَال، وهَذا المَعنَى أكَّده -أَيضاً- الفَيلسوف "جونسون" حِينَ قَال: (الاعتِدَال هو الفَضيلَة، التي يَتحلَّى بِهَا العُقلَاء)..!

أَكثَر مِن ذَلك، كُلُّنا نُردِّد عِبَارة: "مَا زَاد عَن حَدّه انقَلبَ إلَى ضِدّه"، ولَكنَّنا نُردِّدهَا ببلَاهةٍ زَرقَاء، دُون أَنْ نَستَوعبهَا، لِذَلك لَابدَّ أَنْ نَستَحضر الاعتدَال فِي أَذهَانِنَا دَائِماً، حَتَّى لَا تَزيد الأَشيَاء عَن حَدّها، وتَنقَلِب إلَى ضِدّهَا، وهَذا مَا يَتَّفقُ مَع نَظريَّة الفَيلسوف "راسل"، التي يَقول فِيهَا: (الاعتدَال خَيرٌ مِن الزِّيَادَة فِي أَي شَيء)..!

كَمَا أَنَّ أَهل البطُون المُمتَلِئَة؛ مِثل أَهل البطُون الجَائِعَة، لِذَلك يَزعم "شكسبير" أَنَّ الاعتِدَال هو الحَلّ، حَيثُ يَقول: (لأنَّ التُّخمَة كالجُوع، فالاعتِدَال سَعَادَة لَا يُستَهَانُ بِهَا)..!

حَسنًا.. مَاذا بَقَي؟!

بَقي القَول: النَّفسُ البَشريَّة ميَّالة إلَى تَجَاوز الحَدّ، وتَجَاهُل الاعتِدَال، لِذَلك يَجب أَنْ يُعَاد تَعريف مَفهوم "النّفُوس العَظيمَة"، التي تَمتَاز بالاعتِدَال، حَيثُ وَصفهَا الأَديب "باسكال" قَائِلاً: (تُعرَف عَظمة النَّفس؛ بقُدرتهَا عَلَى الاعتِدَال، لَا بقُدرتهَا عَلَى التَّجَاوز)..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store