أَكثَرُ العُقلَاء يَجمَعون؛ عَلَى أَنَّ الأَحلَام مُهمّة فِي حَيَاةِ الإنسَان، فهي تُشبه -إلَى حَدٍّ مَا- المَلْح الذي يُوضَع فِي الطَّعَام.. إنَّه مَلحٌ قليل يُكْسِب الطَّعَام لَذَّة، ولَكن لَو زَاد عَن حَدّه، دَمَّر الطَّعْم والمَذَاق. مِن هُنَا، جَميلٌ أَنْ تَكون لَك أَحلَام فِي هَذه الحَيَاة، ولَكن الأَجمَل أَنْ تَسعَى لتَحقيق هَذه الأَحلَام، وتُفعِّل الأَسبَاب المُؤديَة إلَى تَجسيدهَا؛ عَلَى أَرض الوَاقِع..!
ومَن مِنَّا لَا يَذكر أَحلَام وطمُوحَات الصِّبَا؟، فقَد كَان أَهمُّ أَحلَامي فِي الصِّغر، أَنْ أَعمَل سَوَّاق خَط، حَتَّى أَجمَع بَين ثَلاث مُتَع: السَّفَر بَين المُدن، والتَّمتُّع بقيَادة السيَّارة، وسَمَاع الأَغَانِي أَثنَاء القيَادَة. ومَازلتُ وَفيًّا لتِلك الأَحلَام البَريئَة، ولَا عَجَب، فقَد قَال الفَيلسوف «شيلر»: (لتَكُن وَفيًّا لأَحلَام صِبَاك)..!
والأَحلَام غَالِبًا مَا تَكون مِن ضيُوف المَنَام، لِذَلك يَجَب عَلَى الحَالِم أَنْ يَستَيقظ أَوَّلًا، إذَا أَرَاد تَحقيق أَحلَامه، وفِي ذَلك يَقول الأَديب «بول فاليري»: (أَفضَل وَسيلَة لتَحقيق أَحلَامك، هي أَنْ تَستَيقِظ).. والمَطلُوب هُنَا، أَنْ نَمدّ لحَاف الأَحلَام، عَلَى قَدْر أَرجُل الطّمُوح، فالأَحلَام دُون تَحقيق، تَظلّ رَأس مَال المُفلِسين، والعَاجِزين واليَائِسين، وقَد انتَبَه إلَى ذَلك الأَديب «أناتول فرانس» فقَال: (لتَحقيق أَشيَاء عَظيمَة، لَا يَجب أَنْ نَفعَل فَقَط، بَل أَنْ نَحلَم كَذَلِك. ولَا نُخطِّط فَقَط، بَل أَنْ نُؤمن كَذَلِك)..!
أَكثَر مِن ذَلك، يَعتَقد البَعض؛ أَنَّ الأَحلَام خَاصَّة بعَالَمِ الأَطفَال، والحَقيقَة، أَنَّ عُمر الإنسَان يَمضِي؛ وتَبقَى أَحلَامه، وهَذا المَعنَى يَتَّفق مَعه الأَديب «سي. إس. لويس»، حَيثُ يَقول: (لَن تَكون أَبدًا أَكبَر سِنًّا؛ مِن أَنْ تَضع هَدفًا جَديدًا، أَو أَنْ تَحلم حُلْمًا جَديدًا)..!
وإذَا أَردتَ أَنْ تَتَجسَّس عَلَى العَقْل البَاطِن لأَي شَخص، فانبش فِي أَحلَامِهِ، واطّلع عَليهَا، لتَكتَشف خَفَايَاه وأَسرَاره، وفِي ذَلك يَقول أُستَاذ عِلم النَّفس «فرويد»: (تَفسير الأَحلَام، هو الطَّريق المَلَكِي؛ لمَعرفة أَنشطة العَقل اللَّا وَاعيَة)، فيَا قَوم.. النَّفس دَائِمًا مُغلَقَة، والعَيش ضَيِّق مِن دُونِ فُسحَة الأَمَل، ولَكن مَاذَا عَن الأَحلَام، ومَا دورهَا فِي الخرُوج مِن دَائرة أَنفسنَا؟.. يُجيب عَن هَذا السُّؤال الأَديب «بيرس» قَائِلًا: (الأَحلَام مَفَاتِيح، نَستَخدمهَا للخرُوج مِن أَنفسنَا)..!
حَسنًا.. مَاذَا بَقَي؟!
بَقَي القَول: التَّوَازُن جَميل فِي أَغلَبِ الأمُور، فإذَا كُنَّا نَغضَب ونَجزَع؛ مِن الأَحلَام السيّئَة حِينَ تَتَحَقَّق، فإنَّنا نَفعل الأَمر ذَاته؛ حِينَ نَكتَشف أَنَّ الأَحلَام السَّعيدَة مُجرَّد سَرَاب، وقَد اعتَرَضَ أَحدُ الفَلَاسِفَة عَلَى هَذه المُعَادلَة، فقَال: (صَحيح أَنَّ الأَحلَام السَّعيدَة قَلَّمَا تَتَحَقَّق، ولَكن مَا يُعزِّينَا أَنَّ الأَحلَام المُزعجَة -أَيضًا- قَليلًا مَا تَتَحَقَّق)..!!