حين تلتبس المفاهيم لدى الانسان يعيش في ضلالية قد تؤدي به الى انتكاس فطرته السوية المحبة للخير.. فالإنسان الذي يبحث عن مكانته في نفوس البشر يهدر وجوده وقيمته الذاتية فيصبح مستعبدًا لهم دون أن يشعر فهو باعتقاده أنهم سيقدرون عطاياه وأفعاله فيظل يرتضيهم ولكن ما إن تصاب النفس بعتمة الخذلان فيخمد نورها فتظلم.
لماذا أيها الإنسان تظلم نفسك بظلمة الاسترضاء ومن ثم تشقيها؟ وتحيا بتصورات الوهم، فاعتلّ وعيك وإدراكك بمعرفة طبائع الأنفس فالنفوس الكريمة لا تقبل بأن تكون ذات انتهازية لتتلذذ بالمعاناة وتسعد على حساب كرامة الإنسان وتجحد وتظلم لأنها تملك القلب الرحيم فتلك من مميزات أهل الايمان. فأنت لم تخلق لتسكن قلوب البشر.. لقد حررك الله لتكون سيد نفسك وتملكها بقوة الايمان بالله وحده لا شريك له فعندما تستشعر وجود الله ينير قلبك لحب الخير لذاته فمن يملكون نور الايثار لا يرون في الخيرعادة اجتماعية فرضت عليهم، لان عقولهم مشغولة في استحضار عظمة الخالق في كل شأن فيمكنهم الله بالبصيرة فيهون في أعينهم كل شي يحول بينهم وبين الله.. فصاحب الإيثار الذي يحيا بالمعاني العالية الرفيعة ولا يخضع ويمتثل للسوق السائد النفعي وفقا للمطامع الرخيصة لأنه يحب مخلوقات الله فيرى عظمة الخالق فيها ويدرك أن الروح أغلى ما في الوجود. تلك السريرة النورانية التي يشع نورها للإنسانية ولا يطفئها ظلم البشر ولا ترتضي باستعبادهم لها فهي أشبه بطائر حر يحلق عاليا، باحثة عن رسالتها في الحياة فيلهمها الله لمحطات عدة تستقر فيها لتفعل قضيتها الخيرة فلا تريد بذلك الا وجه الله ولا تبتغي الجزاء والشكر من الناس، مصدقة بقول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
ولأن عملها كان صادقاً يكرمها الله عند رحيل روحها بخلود نورها في قلوب البشر فيدعون لها بالرحمة معلنة بذلك انتصاراً لقوة الخير والحب الصادق النقي.