في عام 1994 التقيتُ بخبير أجنبي في مجال التعدين من شركة جاكوب للدراسات التعدينية بالمصادفة في أحد المنتديات بجدة، حيث كانت اهتماماتي الصحفية تسليط الأضواء على قطاع التعدين واستغلال المعادن التي تكتنزها بطون الأراضي السعودية.
وكان هذا الخبير (الذي لا أتذكَّر اسمه) يتحدَّث عن (نفطٍ جديد) في الأراضي السعودية، ويقول بكل تفاؤل: إن في حزم الجلاميد (قرية صغيرة في أقصى الشمال من المملكة العربية السعودية) حقول من الفوسفات التي تكفي للإنفاق على اقتصاد المملكة العربية السعودية لعشرات السنين القادمة.
طبعاً لم أتجاهل كلام هذا الخبير، وحاولت وقتها أن أحصل على المزيد من المعلومات عن «الجلاميد»، حتى زوّدني «طيِّب الذكر» المهندس محمد رشيد دهلوي (وكيل الوزارة المساعد للاستثمارات التعدينية في وزارة البترول والثروة المعدنية سابقاً) بحجم الاحتياطيات التقديرية لخامات الفوسفات التي تمتلكها حزم الجلاميد تُقارب الـ534 مليون طن، والإمكانيات التي يمكن أن تنعش الاقتصاد السعودي، وتُحدث تحوُّلاً في الصناعة والقوى العاملة والتنمية البشرية والاجتماعية في شمال المملكة وكل أرجائها.
وبعد نحو 25 عاماً من ذلك التاريخ، جاء اليوم الذي أُشاهد فيه مصانع عملاقة وتجمعات تعدينية تنتشر في حزم الجلاميد، وتستخرج هذه الثروة الوطنية لكي يُساهم هذا الفوسفات في تنمية الوطن بأكمله.
وهذه البشائر نفسها أعلن عنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده الأمين بتدشين هذه المرحلة الاقتصادية والصناعية القادمة للمملكة، والتي تجعل من «حزم الجلاميد» محورًا رئيسيًا من محاور تحقيق رؤية المملكة 2030، والتي تعتمد على التعدين والصناعات التعدينية كبديلٍ مناسب ودائم لتنمية البلاد والعباد، وبناء اقتصاد وطني مستدام، مستفيدًا من الصناعات الفرعية والتحويلية التي ينتجها استخراج الخامات التعدينية من باطن الأرض.
«حزم الجلاميد» التي أصبح اسمها بإرادة ملكية من الراحل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- مدينة «وعد الشمال» أفرزت مجمعات صناعية ووسيلة نقل آمنة واقتصادية «سكة حديد»، وكذلك مدينة صناعية ثانية وميناء بكري في «رأس الخير» يتجاوز حجم الأموال التي استثمرت فيها 86 مليار ريال، وبالتالي فقد وفَّرت هذه الاستثمارات ما يزيد على 10 آلاف فرصة عمل في المنظومة كاملة.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
