إنَّ مَنْ في نفسه مظلمة، لا يرى أحداً سواه أحق منه بنعم الله على هذه الأرض، هو من مرضت نفسه فامتلأت حسداً لكل إنسان يعمل ويكدح في هذه الحياة، فيحصل على ما لم يحصل عليه أمثال هؤلاء من مرضى النفوس، الذين تتولد في نفوسهم كل الأمراض المؤذية لغيرهم، والتي عُنِي بالنهي عنها الدين الحنيف من الحسد والحقد المولدين في نفوسهم الكراهية لما سوى ذوات أصحابها، فتراهم في الدنيا ليل ونهار يعملون على تشويه كل سوي، لأنهم يعلمون أن أنفسهم عليلة، وأن عللها هي ما ولَّدت عندهم كل هذه الصفات القبيحة، ودعت لكراهية عباد الله، ويرتقي بهم الأمر إلى الحد الذين لا يريدون معه خيراً في هذه الدنيا، لأنهم يخشون أن يصيب هذا الخير بعض من يكرهون من أهل الخير، الذين لا يكرهون الناس، حتى أن نفوسهم لا تسلم من بعض هذه الكراهية. وأمثال هؤلاء لن تجد لهم من الدنيا معاشراً إلا من كانت نفسه مثل نفوسهم، التي تبث السم كل يوم، وما لم تره لم يصب أحداً، يحزن كل واحد منهم لذلك، وتتصاعد أفعاله الخبيثة، والتي أدناها ما يعتمل في نفسه من كراهية الخير لغيره، وسعيه ألا يصل خير للناس أبداً. وهؤلاء البشر هم من أفسدوا الحياة في مجتمعات بني الإنسان في جميع أقطار الأرض، ذلك أنهم دوماً يبثون بين الناس الحقد والكراهية، ولا يحبون إن رأوا أن المحبة بين الناس تنشر أن يكثر الخير في مجتمعات البشر، ويسعون لتخريب كل ألفة بينها وتسامح، ولا يكبح جماح هؤلاء الحاقدين والحاسدين سوى إهمالهم الذي يقتلهم، أما إذا كثرت الشكوى من أحدهم فهو يفرح لذلك، لأنه يرى أن كراهيته أثمرت، وظن أن الشكوى تدل على ضياع نصيبه من عطاء الله الذي لا يرده حسد الحاسدين ولا حقد الحاقدين، ولا شكوى متظلمي الكراهية الشديدة من الأبرياء، ولو أن البشر أهملوا مرضى القلوب والنفوس، فإنهم سيسلِّمون هؤلاء المرضى إلى اليأس، وبذلك يكونون قد أضافوا إلى مرض النفوس مرض أجساد لا محالة، حتى لا يصبح لهم تأثير في أي مجتمع إنساني أبداً. فأهملوهم أيها الطيبون الذين تفرحون لسعادة إخوانكم وفرحهم حتى يثوبوا إلى رشدهم، فهذا هو النصر المؤزر لكل طبيب نفسي لا يريد للناس إلا الخير، فافعلوا رحمكم الله.