Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

عندما تكون زراعة القمح.. «قرارًا سياسيًا»!!

إضاءة

A A
أفهم أن يكون هناك طوابير على الوقود في السودان، لكني لا أفهم أبدًا أن يكون هناك طوابير على الخبز! وأفهم أن يكون هناك طوابير على الخبز في مصر، لكني لا أفهم أن يكون هناك طوابير على البطاطس!

والحال نفسه أو بعضه في عواصم عربية أخرى، تشهد أزمات في البرتقال، وهي أم الموالح، وفي الزيتون، وهي حاضنة الواحات، وفي التمور، وهي أرض النخيل!

ولي مع القمح قصص وحكايات وأغنيات، سرعان ما تقفز للذاكرة مع كل حديث مرير بطعم العلقم عن الطوابير!

شاهدتُ بعيني الكم الهائل من القمح المثمر والناضج ملقى على الأرض بامتداد آلاف بل عشرات الآلاف من الكيلومترات في المسافة بين كسلا السودان والحدود الأرتيرية، فما السر في هذه الطوابير على الخبز في الخرطوم؟!

كنت أمضي بسيارة «لاند روفر» على نهر القاش بين تلال القمح السوداني، وأنا أحملق في سلة الغذاء العربي، وحين سألت والي كسلا حينها بتلقائية: لماذا لا نحصد، ونُصدِّر للعالم العربي، رد بتلقائية أسرع: إنها السياسة!

وفي الطريق من السودان إلى لندن مررتُ بالقاهرة، لأُشاهد أغرب محاورة زراعية سياسية بين الكاتب الصحافي محمود معروف والرئيس مبارك.. قال «معروف» مزهوًا بتجربته الشخصية في زراعة القمح في الأرض الجديدة مخاطبًا الرئيس: لماذا لا نُعمِّم التجربة، ليرد الرئيس بحسم: قرار القمح «مش بالسهولة دي يا محمود، دا قرار سياسي عالمي مش زراعي»!

كنتُ قد شربت من نبع توتيل في كسلا الذي يُسمّونه نبع الحب، ويُؤكِّدون- كما المصريون- أن من يشرب منه، سيعود مرة أخرى، وحين عدتُ وجدتُ حب القمح وقد انفرط من الإهمال على الأرض، كانت الاضطرابات والانقلابات متوالية، فرددتُ بنفسي: إنها السياسة!

استقر في ذهني إلى اليوم أن قرار زراعة الأرض بالقمح، هو قرار سياسي، وأن مَن يخرج عنه، قد تلتهمه الذئاب.. والحق أن رؤية أهل النيل والخصب وهم يقفون طوابير لانتظار الخبز، الناتج في معظمه من دقيق مستورد، مسألة تدعو للاكتئاب، ثم إنها تحتاج إلى تفسير!

قرأت في «تفسير الأحلام» الشهير ما ذكره «ابن سيرين» في تأويل القمح في الأحلام، بأنه «مال حلال في عناءٍ ومشقة وعمل في مرضاة الله»، وأشار في موقع آخر في نفس الكتاب بأن: «السنبلة الخضراء خصب السنة بينما السنبلة اليابسة النابتة على ساقها هي جدب السنة».

تذكرتُ ليالي الحصاد وسهرات «الجرن»، وبحثتُ عن أغنية محمد عبدالوهاب التي اختفت بدورها من محطات الإذاعة وبرامج التلفزيون، كان الشاعر أحمد رامي يدعو ويبتهل أن يبارك الرب لنا في القمح ويزيده.. لأنه ببساطة.. أرواحنا في إيده!

القمح الليلة ليلة عيده يا رب تبارك وتزيده

لولى ومشبك على عوده والدنيا وجودها من جوده

عمره ما يخلف مواعيده يا رب تبارك وتزيده

لولى من نظم سيده متحكم بين عبيده

أرواحنا ملك إيده وحياتنا بيه

هلت على الكون بشايره ردت للعمر عمره

والأمر الليلة أمره يا رب احميه

يا حليوة أرضك رعيتيها والنظرة منك تحييها

من شهدك كنت بترويها والخير أهي هلت مواعيده

يا رب تبارك وتزيده

والنيل على طول بعاده فات أهله وفات بلاده

جاله يجرى فى ميعاده علشان يرويه

والخير فاض من إيدينا لما النيل فاض علينا

احميه يا رب لينا يا رب احميه

بمناسبة النيل، لا أظن أن المسألة مرتبطة بشح المياه، وأزمة سد النهضة، لأنها قديمة ومتوارثة من قديم! فإن قُلنا: إنها حجة قوية الآن في مصر، فماذا عن السودان، سلة الغذاء العربي المعطلة حتى الآن. السؤال مازال يبحث عن إجابة!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store