أعلنت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي امام مجلس العموم اليوم تأجيل التصويت على اتفاق بريكست الذي كان مقرراً غداً الثلاثاء بسبب الانقسامات العميقة في صفوف النواب الذين هددوا برفضه. وقالت ماي "سنؤجل التصويت المقرر غداً"، مشيرة إلى معارضة النواب بشكل خاص الحل الذي تم التوصل إليه لمنع عودة الحدود فعليا بين إقليم أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا، المعروف باسم "شبكة الامان".
وسجّل الجنيه الاسترليني تراجعا حادا أمام الدولار على خلفية التقارير، ما زاد من الأجواء الضبابية المحيطة بإمكانية موافقة بريطانيا على أي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي قبل خروجها من التكتل في آذار/مارس من العام المقبل. تزامنا، قضت محكمة العدل الأوروبية بأن لبريطانيا الحق في التراجع عن قرارها الانسحاب من الاتحاد الأوروبي دون الحصول على موافقة دوله الأعضاء، ما أحيا آمال معارضي الخروج من التكتل. وواجهت ماي على خلفية اتفاق الانسحاب الذي أبرمته في بروكسل الشهر الماضي، حركة تمرّد كبرى من داخل حزبها المحافظ ومعارضة شرسة من خارجه. ويطالبها كثر بإعادة التفاوض على الاتفاق لمحاولة الحصول على مزيد من التنازلات قبل قمة مقررة الخميس والجمعة مع 27 من قادة الاتحاد الأوروبي. وفي نهاية الأسبوع أجرت ماي محادثات مع عدد من القادة بينهم رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ما أثار تكهنات حول سعيها لتعديل الاتفاق في ربع الساعة الأخير.
زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربن وصف إرجاء التصويت بأنه "خطوة يائسة". وقال كوربن "نعرف منذ أسبوعين على الأقل أن البرلمان سيرفض الاتفاق الأسوأ على الإطلاق الذي أبرمته تيريزا ماي لأنه يضر ببريطانيا". وتابع كوربن "لكن ماي، أصرت على المضي قدما في حين كان عليها إما أن تعود إلى بروكسل لإعادة التفاوض وإما الدعوة لانتخابات لكي يتمكّن الشعب من انتخاب حكومة جديدة قادرة على القيام بذلك". ومن شأن رفض مجلس العموم المصادقة على الاتفاق أن يدخل ماي في مأزق سياسي كبير داخل حزبها، حيث يتّهمها المشككون في الوحدة الأوروبية بمحاولة تحوير بريكست، ومع حزب العمال. لكن إرجاء التصويت يعرّض ماي لمخاطر، ويرى فيه النقاد مؤشرا إلى ضعفها. وقالت رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستورجن المؤيدة للوحدة الأوروبية إنه إذا صحت التقارير فإن ذلك سيكون خطوة "بائسة وجبانة لرئيسة وزراء وحكومة أفلست وبات عليها الخروج (من السلطة)". ومن شأن رفض مجلس العموم المصادقة على الاتفاق أن يدخل عملية بريكست في حالة من الإرباك والضياع ستكون أيضا سائدة في حال لم يتم التصويت.
تسوية بشق الأنفس
يحدد نص الاتفاق شروط انفصال بريطانيا عن أبرز شركائها التجاريين بعد 46 سنة، وهو أهم اتفاق يطرح على مجلس العموم منذ سنوات. وقد يطرح تكبدها خسارة كبيرة تحديات فورية أمام ماي سواء من داخل حزبها المحافظ أو حزب العمال المعارض.
وواجهت ماي معارضة للاتفاق الذي توصّلت إليه في بروكسل منذ لحظة إبرامه لكنها أجرت جولات في مختلف انحاء البلاد لمحاولة إقناع معارضي الاتفاق بجدواه وبضرورة تأييده. وتفيد تقارير بأن أكثر من مئة نائب محافظ، أي ثلث ممثلي الحزب تقريبا، يعارضون الاتفاق، على غرار الحزب الديمقراطي الوحدوي الإيرلندي الشمالي الذي دعم حكومتها لأكثر من عام.
وكان وزير البيئة مايكل غوف، وهو أحد مؤيدي بريكست المؤثرين، قال لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن التصويت سيمضي قدما، مشككا في إعادة التفاوض على الأمور الرئيسية.
وحذر غوف من أن "إعادة فتح ملف التفاوض في أمور أساسية يضع بريطانيا أمام المجازفة بقيام دول الاتحاد الأوروبي بتغيير الاتفاق "بطريقة قد لا تكون بالضرورة لصالحنا". واستبعد مسؤولو الاتحاد الأوروبي أي تغيير في صفقة بريكست، لكن بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي تحدثوا عن إمكانية حدوث تغييرات في الإعلان السياسي المصاحب بشأن العلاقات التجارية المستقبلية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد الخروج. ولدى وصوله الإثنين للمشاركة في اجتماع للاتحاد الأوروبي في بروكسل وصف وزير الخارجية الإيرلندي سيمون كوفيني الاتفاق بأنه "تسوية تم التوصل إليها بشق الأنفس".
وقال كوفيني إن "الاتفاق المبرم... لن يتم تعديله، وبخاصة التعابير القانونية لمعاهدة الانسحاب". وحذّر غوف زملاءه النواب من أن إسقاط الاتفاق الحالي يهدد إما بنسف بريكست وإما بالخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. وحذّر المصرف المركزي البريطاني ووزارة المالية من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق قد يؤدي إلى ركود اقتصادي، وتدهور قيمة الجنيه وانهيار السوق العقارية. والإثنين أظهرت البيانات الرسمية أن ارتفاع إجمالي الناتج المحلي بين أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر اقتصر على نسبة 0,1 بالمئة. ويصر فريق ماي على أن رؤيتها توفر أفضل سيناريو لانفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي الذي يمكن أن يأمل به مؤيدو بريكست في هذه المرحلة المتأخرة.