توظيف المواطن في سوق العمل وتشغيله وخفض البطالة، هل هو مسؤولية الدولة، أم المجتمع، أم صاحب العمل، أم طالب العمل؟.. البعض يرى أن التوظيف وتوفير الوظيفة هي مسؤولية الدولة لتوفير حياة كريمة للمواطن، ولكن الدولة لا تستطيع تشغيل الكل، في حين يرى البعض أن على الدولة أن تحمي سوق العمل، وتُعطي أفضلية للمواطن على غيره. ولكن القضية أكبر وأبعد من ذلك، لأن الحماية سلاح ذو حدين، فالشخص غير المنتج يُعطَى ميزة، ومُقابلها لا يُقدِّم ما يُحقِّق مردوداً كافياً للمجتمع. وبالتالي تُعطي الحماية والأفضلية مردوداً عكسياً وسلبياً على المجتمع.
وننتقل للنقطة الثانية، وهي: هل واجب صاحب العمل أن لا يمنح الأحقية إلا للمواطن في التوظيف، وبالتالي يمارس نفس الدور الحمائي للدولة؛ ولكن بصورة تطوعية، وتبقى مخاطر عدم الإنتاجية وانخفاضها، وبالتالي الخسارة للاقتصاد على المستوى الكلي؟.. هذا في الواقع -أيضاً- لا يُعدُّ حلاً مثالياً وإيجابياً يُفيد المجتمع اقتصادياً، وإنما سيكون عبئاً على المجتمع.
ويتبقَّى لنا بُعد أخير، وهو أن التوظيف مسؤولية المواطن، حيث يستطيع من خلال الإنتاجية والمنافسة أن يُحقِّق لنفسه ولمجتمعه أبعاداً إيجابية على المستوى الاقتصادي، كما يستطيع المواطن أن يتوظَّف من خلال التوظيف الذاتي. ولكن ذلك لا يكفي، إذ لابد من توافق الجميع، حيث يُقدِّم المواطن جُهده وحرصه وقدراته ليكون أكثر إنتاجية لنفسه ومجتمعه، ويُقدِّر المجتمع والدولة بالتالي ذلك الدور.
المعادلة تحتاج أن يهتم المجتمع والمواطن بمساندة بعضهم البعض، في حين تقوم الدولة بدور المنظم regulator بين المجتمع والمواطن، وتُحدِّد أبعاداً وقدرات إنتاجية يجب أن تتم من قِبَل الفرد، وتُبنى هذه المعايير لتكون المفصل بين المجتمع والموظف المواطن.
من المهم أن تقوم الدولة بهذا الدور، وتوفِّر المعايير التي يُمكن من خلالها الحكم والأحقية في استمرار العلاقة بين الأطراف، وإيقاف النزيف الاقتصادي؛ إذا أردنا بناء مجتمع إنتاجي سليم، نوقف فيه تعدِّي طرف على آخر، ونضمن الإنتاجية والاستمرارية، ونرفع من خلالها القيمة المُضافة في مجتمعنا.