.. في عمق ضجيج تظاهرات السترات الصفر في قلب العاصمة باريس حيث عاث المتظاهرون يحرقون، ويكسرون، ويدمرون..
الدمار يطال الشانزليزيه، ودخان الحرائق غطى على روائح العطور الباريسية، وتلكم الشرطية الفرنسية تتقدم إلى المتظاهرين وهي تبكي بحرقة، تنزع سترتها العسكرية، وتبرز صدرها لهم: «تعالوا واقتلوني.. لا تخربوا باريس»..!!
****
.. هذه العبارة النازفة جدًا ربما كانت أكثر وقعًا من خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع..!!
****
.. وهذه العبارة أيضًا تختصر الكثير، الكثير ما بين حب الوطن، والمزايدة به وعليه..!!
****
.. حتى من داخل الشارع الباريسي نفسه، الذي يخرب فرنسي، ومن تقول اقتلوني ولا تخربوا هي أيضًا فرنسية..!!
****
.. فرق ما بين أن تكون مجرد منتمٍ، وما بين أن تحس الانتماء وتستشعره في حياتك..
****
.. وتكون الطامة حين تكون (الأنا) والكرسي أكبر من حب الوطن، فتلكم ماحقة الشعوب، حتى ولو كان «المنتمي» بحجم فخامة الرئيس..!!
****
.. يومًا صاغ بشار الأسد أهزوجة الطقطقة على رؤوس مجلس شعبه حين رددوا زوراً: «بالروح، بالدم نفديك يا بشار» فقال «بل بشار من يفتدي شعبه بروحه ودمه».
ثم شهقت خرائب المدائن وجثامين الأطفال وهي تسأل: «بكم افتدى بشار نفسه من شعبه؟!!».
****
.. عمومًا الشرطية الفرنسية صعقتنا -وربما صدقتنا- وهي تصرخ في وجوه المتظاهرين: «لا تفعلوا مثل العرب في خراب أوطانهم»..؟!!
****
.. دارت في مخيلتي أطلال حلب والموصل وبنغازي، والكثير من المدن العربية، وما فعله العرب بأوطانهم..!!
****
.. حرقة الأسئلة ليست بأقل من إجاباتها الموجعة..!!
****
.. لماذا؟ وكيف؟ ولصالح من؟ هل ماتت الأوطان فينا فاستسهلنا دمارها..؟!!
****
.. من يدفع ثمن هذا الدمار.. نحن؟ أم الأوطان؟ أو كلانا معًا..؟!!
****
.. صدقتِ يا حسناء باريس.. فكل هذه الحروب والصراعات والثورات والدم والدمار يجعلك ترين في هذا العربي مسخًا شيطانيًا يحطم ذاته وداره..!!
****
.. صدقتِ يا حسناء باريس.. أما الأكثر صدقًا فأنكم تلبستم ثوب يوسف، وكنا نحن كل بقع الدم..!!
****
.. لكني أثق بأنه لن يدوم لكم مصباح علاء الدين، ولن نبقى نحن في مغارة علي بابا إلى الأبد...!!
****
.. وربما يومًا تسكن الأرواح بياض الشوارع والمآذن، ونعيد إليكم بعض الألق: «تعالوا واقتلونا.. ولكن لا تدنسوا أوطاننا لأنها نحن، ونحن هي..؟!!».