كعادتها في كل عام، أقامت جامعة الملك عبدالعزيز بجدة احتفالية تليق بمناسبة عالمية كبرى ذات صلة بديننا وتراثنا ولغتنا الخالدة، هي اليوم العالمي للغة العربية الذي حُدِّد له تاريخ 18 ديسمبر من كل عام، وقد وصل عدد الدول التي تحتفي بهذا اليوم وتقيم فعاليات فيه إلى 46 دولة، ويبلغ عدد هذه الدول بل يزيد عن ضعف عدد الدول العربية البالغ اثنتين وعشرين دولة. وكما أشار مؤسس هذه الاحتفالية وصاحب فكرتها الأولى الدكتور زياد بن عبدالله الدريس، فإنه كان يأمل أن تحتفل اثنتان وعشرون دولة: هي الدول العربية مجتمعة بهذا اليوم، حين أُقر رسمياً عام 2012م، وفوجئ بأن عدد الدول المحتفلة به سنة 2016م حين ترك اليونسكو بلغ ستاً وأربعين دولة، وقد يكون العدد تجاوز الخمسين اليوم أو بلغ الستين، هذا ما أوضحه الدكتور زياد الدريس في محاضرته التي ألقاها في قاعة الملك فيصل للندوات بجامعة المؤسس يوم الثلاثاء 18 ديسمبر برعاية معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن عبيد اليوبي وحضور عمداء الكليات ورؤساء الأقسام والأساتذة والطلاب من شطري الطلاب والطالبات.. وكانت محاضرته بعنوان: «هل العربية في خطر؟»، وعرض فيها جمعاً من المعطيات التي تفيد بأن العربية اليوم تتنافس مع الإنجليزية والفرنسية على المراكز الثلاثة الأولى بين لغات العالم، وكانت إلى ما قبل سنوات قليلة تتنافس على المراكز الثلاثة الأخيرة، بفضل الحراك الثقافي المعاصر وعوامل كثيرة اقتصادية وسياسية وفكرية، وأكد على أن دولاً كثيرة بعيدة نسبياً عن الثقافة العربية أصبح فيها عشرات البرامج لتعليم العربية، في مقدمتها كوريا الجنوبية، إضافة إلى دولٍ غربية وشرقية كثيرة، وخلص المحاضر إلى نهاية مفتوحة Open End ، دون أن يقطع بأن العربية في خطر، أو أنها ليست في خطر، ليترك المجال للمداخلين والمعلقين الذين تفاوتت آراؤهم بين الاحتمالين ورجَّح معظمهم أن لا تكون في خطر، لأن حِفظها مرتبط بحفظ الله لكتابه العزيز.
وكان لمعالي مدير الجامعة تعليق مهم أشار فيه إلى ضرورة النهوض بالمهارات اللغوية العربية في الجامعات، ونوَّه إلى أهمية الأسئلة المقالية التي تصقل المعارف اللغوية العربية عند الطلاب، وتقيس كفاياتهم القرائية والكتابية بمقابل الاختبارات القائمة على الاختيار من متعدد التي تعتمد بالدرجة الأولى على التخمين. وكانت محاضرة الدريس محاضرة علمية صرفة زيّنها التقديم الفخيم للدكتور نعمان كدوة عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية الذي سحر الألباب برقة عباراته وفصاحته. ولم تكن تلك الفعالية الوحيدة التي أقامتها جامعة المؤسس بهذه المناسبة، فقد سبقتها حلقة نقاش كان فارسها كذلكم ضيف الجامعة لهذا العام الدكتور زياد الدريس أقيمت في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة يوم الاثنين 17 ديسمبر بعنوان: كيف نزيد الجدوى من احتفالية اليوم العالمي للغة العربية؟، وأدارها العبد الفقير إلى الله، كاتب هذه السطور، برعاية عميد الكلية سعادة الأستاذ الدكتور فيصل بالعمش وحضور الأساتذة والأستاذات وطلاب وطالبات الدراسات العليا وضيوف كثر من خارج الجامعة. وقدَّم في حلقة النقاش هذه مجموعة كبيرة من المقترحات والمبادرات والأفكار والمشروعات التي دوّنها ورتّبها سعادة الأستاذ الدكتور عبدالرحمن رجا السلمي، رئيس قسم اللغة العربية، لتصبح مشروعات عمل، وترفع إلى الجهات المختصة أملاً في تنفيذها لزيادة الجدوى من الاحتفالية وعدم الاقتصار على الاحتفاء الخطابي وإطلاق الشعارات التي لا تجد آذاناً صاغية.
ولم تقتصر إنجازات جامعة المؤسس على هذه الفعاليات هذا العام، بل دشَّن معالي مدير الجامعة مركز التميُّز البحثي في اللغة العربية، كما دشَّن برنامج التطوُّع اللغوي بمعهد اللغة العربية للناطقين بغيرها.
بقي أن نقول: إن تحديد 18 ديسمبر للاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية يعود إلى صدور القرار رقم 3190 بتاريخ 18 ديسمبر 1973م عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة القاضي بأن تصبح اللغة العربية لغة رسمية معمولاً بها في الجمعية العمومية.