شَيخُنَا المُفكِّر «إبراهيم البليهي»؛ لَه نَظريَّة يَدعو فِيهَا إلَى تَأسِيس عِلْم الجَهْل، وتَفكِيك بنيَة التَّخلُّف، ومِن هَذَا المُنطَلَق؛ دَعونَا نَمدُّ دِيوان «البليهي» بقَصيدَةٍ؛ عَلَى شَكل مَقَال، يَدور حَول الجَهْل ومَسَارَاته، وإيجَابيَّاته وسَلبيَّاته:
فمِن جَمَاليَّات الجَهْل، أَنَّه مِثل ذَكَائِي غَير مَحدُود، ومُشكلَة المَعرفَة، أَنَّهَا مِثل رَصيدي فِي البَنك؛ مَحدُودٌ ومَعلُومٌ ومَعدُود، وقَد ذكَّرني بذَلك الفَيلسُوف «كارل بوبر» حِينَ قَال: (مَعرفتُنَا مَحدُودَة، أَمَّا جَهلُنَا فغَير مَحدُودٍ بطَبيعتهِ)..!
والشّرُور فِي الدُّنيَا كَثيرَة، مِنهَا النِّسَاء والفِتنَة والجِنّ، ولَكن عَمّنَا «سقراط»؛ يَنفِي كُلّ أَنوَاع الشّرُور، ويُثبِّتهَا فِي شَيءٍ وَاحِد، حَيثُ يَقول: (الجَهْل، هو الشَّرّ الوَحيد فِي هَذَا العَالَم)..!
والسُّؤَال المُهم هُنَا: كَيف تَعرف الجَاهِل؛ مِن العَاقِل، مِن العَالِم؟، لَا تُفكِّر كَثيراً، فقَد اختَصَرَ الطَّريق الفَيلسوف «أرسطو» حِينَ قَال: (الجَاهِل يُؤكِّد، والعَالِم يَشكّ، والعَاقِل يَتروَّى).. والحَمد لله أَنَّ عَالِم المَعرفَة -الذي هو أَنَا -أُمّه «لولوة العجلان»- رَحمهَا الله-، كَانَت مِن قَبيلة المُشكِّكين، ووَالده «عبدالرحمن العرفج» -رَحمه الله-، كَانَ مِن عَشيرة المُتروِّين..!
ولنَعلَم أنَّ هُنَاك فَرْقاً بَين الجَهْل والجَاهِل، ولابدَّ أَنْ نَعرف مَتَى نَقتَرب مِنهمَا، ومَتَى نَبتَعد عَنهمَا، أَمَّا الوَصفَة، فهي لأَديبنَا العَبقَرِي «ميخائيل نعيمة»، حَيثُ يَقول: (لَا تَهربوا مِن الجَاهِل، بَل اهرَبُوا مِن الجَهْل، لأَنَّكُم عِندَما تَهربُون مِن الجَاهِل، إنَّمَا تَهرَبُون مِن أَنفسِكُم، أَمَّا هرُوبكُم مِن الجَهْل، فهو اقترَابٌ مِن المَعرفَة)..!
أَكثَر مِن ذَلِك، إذَا رَأيتَ الإنسَان رَاضياً عَن نَفسه، فاعلَم أَنَّه مِن فَصيلة الجَاهلين، لأنَّ الرِّضَا عَن النَّفس -فِي الجَانِب المَعرفي- يُؤدِّي إلَى الجَهل، وفِي ذَلك يَقول القَائِد «نابليون»: (حَسَنةُ الجَاهِل، أَنَّه دَائِماً فِي حَالة رَضَا عَن نَفسهِ)..!
ولَا تَعتَقد أَنَّ إحسَاسَك بالجَهْل مُؤشِّر سَلبِي، بَل هو إيجَابِي إذَا أَحسَنْتَ استثمَاره، وفِي ذَلك يَقول الفَيلسُوف «بيكنسفيلد»: (إنَّ الشّعُور بالجَهلِ، لخُطوَةُ كُبرَى نَحو المَعرِفَة)..!
حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!
بَقي القَول: أَحيَانًا، إِذَا تَفشَّى الجَهْل، لَن تَستَفيد مِن مَعرفتِك، بَل الأَفضَل أَنْ تُسَاير القَوم، وتَلبس ثِيَاب الجَهْل، كَمَا فَعل رَهين المَحْبَسيْن شَيخنا «المعرِّي»؛ حِينَ قَال:
ولَمَّا رَأيتُ الجَهْلَ فِي النَّاسِ فَاشِياً
تَجَاهَلْتُ حَتَّى قِيلَ أَنِّي جَاهِلُ!!