اليوم لم يبقَ شيء في الوضع العربي الراهن يُمكن أن نُفاخر به، وإنما نبكي على الأطلال، أصبحنا نبحث عن الدقة والموضوعية وسط بحر الكذب المتبادل اللامتناهي، سقطت الشعارات المزيفة للربيع العربي الذي أعاد العديد من الدول التي شهدته سنوات إلى الوراء، فضلًا عن ما حصده من دماء.
الصحافة الورقية والإلكترونية وكل وسائل الإعلام المرئي والمسموع العالمي شهد تراجعًا ملحوظًا في مصداقيته، وما حدث لبلادنا في أعقاب هجوم الحادي عشر من سبتمبر، وفي قضية الأخ جمال خاشقجي -يرحمه الله- والتسييس لهذه القضية تحديدًا، وتمويل الحملات الإعلامية على بلادنا، والاختفاء وراء مظلة حرية التعبير وحمل لواء الديموقراطية، إنما يُعدُّ انتهاكًا حقيقيًا لكل الأعراف والقيم الإعلامية وحرية الرأي الصادق وحقوق الإنسان.
الجمعية العمومية للأمم المتحدة أعلنت بأن يوم 3 مايو من كل عام هو يوم عالمي لحرية الصحافة، ودعت وثيقة الإعلان وسائل الإعلام بأن تكون حرة وقائمة على التعددية، وفي هذا السياق فإن عدد البلدان التي صُنّفت على أنها تتمتع بصحافة حرة أو حرة جزئيًا وغير حرة تمامًا، تشهد تراجعًا في معدل حرية الصحافة، وأن البلدان الأسوأ في العالم هي روسيا البيضاء، بورما، كوبا، أريتريا، إيران، ليبيا وتركمانستان وكوريا الشمالية.
إن واقع الصحافة اليوم يكتنفه صعوبات شتَّى، ويُخطئ مَن يعتقد أنها قاصرة على دول العالم الثالث فحسب، بل واقع الأمر يؤكد أن هذا الأمر يحدث حتى لتلك الدول التي تحمل لواء الديمقراطية وحقوق الإنسان.
كانت السلطة الرابعة (كما يحلو للبعض تسميتها) تسعى جاهدة لتعزيز الديمقراطية وتشجيع التنمية في أرجاء العالم، إلا أن انتهاك حرية الصحافة أصبح ظاهرة عالمية بكل أسف، وهذا ما يُؤكِّده الواقع والممارسات، ولابد من التذكير بأنه ليس هناك شيء اسمه حرية صحفية مطلقة، فالحرية لها قواعد وضوابط تحكمها، يُقابلها الضمانات اللازمة لممارسة المهنة وحماية المنتمين إليها.
في هذا السياق كتب قبل سنوات «جهاد الخازن» في صحيفة الحياة عن رئيس وزراء بريطاني يشكو لمساعديه صحف لندن ويقول: «الديلي ميرور يقرأها ناس يعتقدون أن من حقهم أن يُديروا البلد، والغارديان يقرأها ناس يعتقدون أن من حقهم أن يديروا البلد، التايمز يقرأها ناس يديرون البلد فعلًا، الديلي ميل يقرأها زوجات الناس الذين يُديرون البلد، الفاينانشال تايمز يقرأها ناس يملكون البلد، مورننج ستار يقرأها ناس يعتقدون أن بلدًا آخر يجب أن يُدير البلد، التلغراف يقرأها ناس يعتقدون أن هذا ما يحدث فعلًا»، وعلينا أن نستقي الدرس جيدًا في ظل هذه التيارات.