التَّفكير النَّاقِد، هو أَحَد أَذرُع العَمليَّة الإبدَاعيَّة، التي تُسَاعِد الإنسَان عَلَى تَطويرِ ذَاتهِ، واتِّخَاذ قَرارهِ. ومِن خِلَال تَعَايشَاتي فِي الحَيَاة، وقِرَاءَاتي، ومُجَالَسَاتي للقَوم هُنَا وهُنَاك، تَوصَّلتُ إلَى مَجموعة مِن المُعوِّقَات، التي تَحدُّ مِن امتدَادَات الفِكر النَّاقِد، وتُقلِّص دَوره الحَيوي، الذي يَجب أَنْ يَدخُل فِي كُلِّ تَفاصيل حَيَاتنا..!
وبَعد دِرَاسَةٍ وتَمحيص، وتَأمُّل وطُول تَفكير، وَصلتُ إلَى مُعوِّقات كَثيرة، لَعلَّ أَهمّها مَا يَلي:
أوَّلاً: مِن أَبرَز مُعوِّقَات التَّفكير النَّاقِد، الانقيَاد ورَاء الآرَاء السَّريعَة، التي يَتدَاولهَا النَّاس، دُون الرّجُوع إلَى مَصَادرهَا الحَقيقيَّة، سَوَاء كَانَت هَذه الآرَاء تَصدر فِي المَجَالِس، أَو مِن خِلَال وَسَائِل التَّواصُل الاجتمَاعي المُتعدِّدَة..!
ثَانياً: بَعد تَأمُّل طَويل، أَدركتُ أَنَّ التَّعصُّب -أَيضاً- مِن مُعوِّقات تَنمية التَّفكير الإبدَاعي، حَيثُ يَميل المُتعصِّب -عادةً- إلَى التَّمسُّك بآرَائهِ، سَواء كَانت صَحيحَة، أَو خَاطِئَة، ومَا ذَلك إلَّا حُبًّا فِي تَقديرهِ لذَاتهِ، لأنَّه يَعتبر التَّرَاجُع عَن رَأيه، أَو التَّنَازُل عَنه، هو نَوعٌ مِن أَنوَاع الهَزيمَة؛ التي لا تَقبَلها النَّفس البَشريَّة..!
ثَالِثاً: هُنَاك مَا يُسمَّى بالقَفز إلَى النَّتَائج، بحَيثُ يَبدَأ الإنسَان بسَرد قَضيَّة؛ بطَريقةٍ مَوضوعيَّة، ويَقفز عَلى النَّتَائج، دُون أَنْ يُرَاعي أَنَّ الأَسبَاب تُؤدِّي إلَى النَّتَائِج..!
رَابِعاً: الانقيَاد ورَاء العَواطِف، والمُؤثِّرات الانفعَاليَّة، وهَذه مِن الأَسبَاب الوَاضِحَة والصَّريحَة؛ فِي إعَاقة التَّفكير النَّاقِد، لأنَّ الإنسَان المُنفَعل، أَو الذي يَنقَاد وَرَاء عَاطِفته، لَم يَصل إلَى الصَّواب بحَالٍ مِن الأَحوَال، فالفِكر النَّاقِد يَتطلَّب المَنَاطِق المُحَايدَة، والمسَاحَات البَيضَاء..!
خَامِساً وأَخيراً: مِن مُعوِّقات تَنميَة الفِكر النَّاقِد، مُحَاولة حِفظ الأَشيَاء؛ واستظهَارهَا دُون وَعي أَو دُون فَهم، أَو الاستدلَال بالمَقولات المَأثُورة؛ والأَمثَال السَّائِرة المُتطَايرة هُنَا وهُنَاك، والتي قَد تَكون فِي بَعضها صَحيح، وفِي أَكثرهَا غَير صَحيح، أَو بَعضهَا قَد يَكون صَحيحاً -فِي وَقتٍ مِن الأَوقَات-، ولَكنَّه لَا يَصح فِي جَميع الأَوقَات..!
حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!
بَقي القَول: يَا قَوم، هَذه بَعض مُعوِّقات تَنمية الفِكر النَّاقِد، ولَعلَّ عِندَكم، وبَين أَذهَانِكُم، وفِي رُؤوسِكُم أَكثَر مِمَّا ذَكرت، ومَا هَذا المَقَال، إلَّا فَاتحة خَير، وشَرَارة أَمَل، لَعلَّها تُضيء طَريقنَا، لإشعَال مَسيرة وتَطوير ومُمَارسة التَّفكير النَّاقِد..!!