عبده خال -في رأيي- هو الروائي السعودي الأول والأهم. أقول هذا للأصدقاء والصديقات باستمرار وقناعة تامة.. وأضيف أن اسمه يقف هناك مع كبار الكتاب العرب الذين خلدهم التاريخ. وأعلم أن هناك من لا يتفق معي في هذا الرأي لعدة أسباب، وهذا طبيعي دون شك.. كما أعلم أن هناك من ينظر للقصيبي ومشري ورجاء عالم وتركي الحمد، وهؤلاء كتاب نفخر بهم وبنتاجهم الأدبي المميز، لكني مع ذلك أضع خال في رأس القائمة قبل كل هؤلاء مع تقديري لتجاربهم جميعاً بطبيعة الحال.
أوتي عبده خال قدرة خاصة به على السرد، قدرة تجعل الحكايات تسلمه مفاتيحها التي ينوء بها أحياناً أولو العصبة من الكتَّاب.. يعامل خال الحكاية معاملة «هندي يغازل أفعاه بمزمار».. فتخرج راقصة طربة تمد لسانها المسموم له.. وللمارة من حوله.
قبل أيام جمعنا الصديق الوفي والشاعر الجميل عبدالله عبيان مع عدد من أصدقاء الصحافة القدامى، وكان عبده خال أحدهم.. وأهمهم وفقاً لسير الليلة.
استلم خال المجلس.. فأنصت الحضور.. حاول أن يمنع نفسه، لكنه لم يستطع إلا الاسترسال بطريقته، والانطلاق فيما يُجيده، ولعله لا يُجيد غيره.. أعني السفر بالحكايات مع الحكايات. بدأ بقص حكاياته القديمة في الصحافة، حكاية حكايةً.. والحضور متعلقٌ بطرف لسانه؛ مأخوذين بطريقته في التشويق، وألغام الدهشة التي يدسّها في ثنايا سرده، وتعليقاته الساخرة التي تضحكهم حد البكاء.
أعتقد أن إحدى ميزات عبده خال تكمن في تمكّنه من اللغة السردية التي تستطيع نقل الحكاية من عالم الواقع إلى عالم الأدب، معتمداً على التغريب ونزع الألفة عن الأشياء؛ بحيث يستحيل المكان إلى عالم أسطوري سحري، والأحداث إلى وقائع عجائبية، والشخصيات إلى أبطال غريبي الأطوار، (وهذه من سمات الواقعية السحرية بالطبع).
هذه الميزة في رأيي مركزية في الكتابة الأدبية عموماً، والسردية خصوصاً؛ فالحياة عبارة عن نسيج يومي من الحكايات، ونحن نمر بألف حكاية وحكاية، لكن العبرةَ في طريقة سردها، لذلك لا يمكن أن نقارن بين سردِها كما تحدث بلغة مباشرة غير أدبية (مع احترامنا للواقعيين ومن واقعهم) وبين سردها بطريقة أدبية تعتمد على اللغة العليا، وتوظف خصائص الشعرية التي تجعل من المكتوب قطعةً يمكن أن نسميها أدباً دون عناء.
في سمرتنا.. أوحى لي عبده خال نفسه بفكرة المقال وبعنوانه دون أن يدري.. حكى لنا بلهجة جداوية محببة كيف أن الناس أصبحوا ينسبون أعماله له بطريقة ظريفة لا تخلو من مفارقة‘ فيقولون: «فسوق عبده».. «طين عبده».. و»نباح عبده».. قالها عبده.. وغرقنا في ضحك لم ينقطع.
فاعلم -يا من تهمُّ باقتراف الرواية- حفظك الله، أنك إن لم تقتلنا ضحكاً.. أو بكاءً.. وإن لم تأخذنا إلى أوسع آفاق التفكير.. وأعمق جذور التأمل.. فمن الأفضل لكَ.. ولها.. أن تستريح.. وتريح.. والله من وراء القصد.